على رغم خبرته الطويلة مع الحمير وطباعها، غيّر أبو أسعد رأيه، واقتنع من «غوغل» أنّ الحمار ذكيّ ويمكن الاعتماد عليه في الكثير من المهام اليومية... وهكذا تبدّلت العلاقة بينهما، وعندما مرض الحمار كان أبو أسعد مشغولاً بحسابه الجديد على «فايسبوك»، فقرّر أن يرسل الحمار وحيداً إلى البيطري لأنّ «غوغل» ضَمَن عودته بسلام.
زار الحمار البيطري، تَعالجَ، وأخذ وصفة الأدوية، وعاد قبل مغيب الشمس إلى إسطبله مفتخراً بإنجازه، وكانت بالطبع فرحة أبي أسعد أكبر بكثير، وبدأ يعتمد على الحمار في إيصال حيوانات المزرعة إلى البيطري دون مرافقة، ليهتمّ بأمور أكثر إلحاحاً... لكنّ الحمار استصعب المشوار واستسهل عمل البيطري، وبدأ معالجة الحيوانات بنفسه... لكن، بعد موت أكثر من زميل له في الإسطبل، استغنى أبو أسعد عن خدماته وفصله للفلاحة والعتالة، لكنّ الحمار شعر بالإهانة فقرّر توسيع نشاطه، ففتح صفحات خاصّة على «السوشل ميديا» ووضع صورة البروفايل وزّة بيضاء، وسرعان ما بدأ يكتب نصائح للنسور في الطيران، ويعلّق على سباحة سمك الغبّص قبالة شواطئ ضبيّة، ولا يرضى إلّا أن يضع لمساته النقدية على فستان الملكة اليزابيث قبل استقبالها أعضاء السلك الديبلوماسي البريطاني، ويسهر الليل داخل إسطبله في جرود فم الميزاب، لكتابة رأيه في الستايك ترتار بمطعم في نيويورك، هذا غير أبيات الشعر التي كتبها للعنزة الراقدة في جبل لبنان، والحجل الكارج في الوديان.
وعندما لم ترتقِ أعداد اللايك والكومنت إلى تطلّعات الحمار وأحلامه، أصيب صاحبنا بسالمونيلا أخلاقية نتج عنها إسهال فكري، وبات يمضي ساعاته على «السوشل ميديا» يتقيّأ حقده... وهذا الذي كان يغصّ بكمشة شعير ناشف على معلف بارد، ويعبّر عن رأيه بالشهنقة، قرّر تنجيد فرشة التخت الشرقي، والتعليق على كلّ أغنية جديدة أو فيديو كليب، طبعاً بمقارنة لون الاسكربينة مع صفّة أسنان المطربة وكلمات الشاعر، دون أن ينسى ربط كرافات المطرب بأوتار الكمنجات خلال عملية توزيع الأغنية.
وبعدما امتهن النقد الفنّي وأثبت جهله، حنّ إلى الشقّ الاجتماعي، وكان كلّما ارتُكبت جريمة في الشارع سارع إلى ارتكاب أفظع منها على «السوشل ميديا»، بعبارة تحريض أو جملة تفريق...
صحيح أنّ هذا الحمار بلا أخلاق، وارتكب المجازر باسم حرية التعبير، وصحيح أنّه قطع برزق النقّاد والكتّاب والاساتذة والمفكّرين والفلاسفة، ولم يترك مهنة إلّا وتعدّى عليها... لكنّه كان مستعدّاً لكلّ شيء إلّا التحدّث في السياسة، فما ان رأى قلّة اخلاقنا ومستوى تخاطبنا ودرجة حقدنا المواطني، قرّر أن يعيد إثبات قدراته الذهنية في المزرعة، وأقفال حساباته على «السوشل ميديا»، لأنّ القناعة كنز لا يفنى...
لكنه في ذلك المساء، لمح صورته في مرآة أمّ أسعد أثناء مروره أمام حمّامها، وانتبه إلى أنّ طول أذنيه زاد عن حدّه وابتسامته العريضة لا تتناسب أبداً مع وضعه النفسي، فقرّر زيارة البيطري للعلاج. وبطريقه مرّ إلى خبيرة تغذية تصف له ريجيماً يخفّف من بطنه الذي يفاقم أوجاع الديسك في ظهره... وأصبح أقصى طموحه أن يحصل أبو أسعد على لايك على صورة السيلفي، والبلد «ع مهله بيعمَر».