بعد موقف نصر الله الأحد الفائت، إزداد كلام السوريين حدةً بشأن ضرورة إعادة العلاقات بين البلدين. كلامٌ قرأه البعض في الشكل والمضمون، عودة لـ«الاستكبار» السوري بالتعاطي مع اللبنانيين، وللتحكّم بهم وتحديد مصلحتهم. الاثنين الفائت، رأى السفير السوري علي عبد الكريم علي، أن «لا بد من عودة أصوات النشاز التى ترتفع بين فترة وأخرى الى بعض رشدها، إذا كان موجوداً، لقراءة العلاقة الأخوية اللبنانية-السورية، قراءة فيها مصلحة للبنان قبل أن تكون مصلحة لسوريا». وقال بتهكّم إنّ «بعض الكلام يدعو للرثاء وللشفقة على مَن يقوله». وفي حين أكد أنّ التطبيع قائم، وهو كسفير دليل على ذلك، تابع علي كلامه بالقول إنّ «سوريا طبعاً تحتاج الى لبنان ولكنّ لبنان يحتاج اليها أكثر».
معارضو التطبيع مع النظام السوري يضعون كلام علي في إطار «أطماع الأنظمة السورية المتعاقبة بلبنان، التي تأصّلت مع نظام البعث وتوسّعت وأدّت إلى دخوله على خط الحرب اللبنانية بغية الدخول إلى لبنان وتحقيق أطماعه بإلحاق لبنان بسوريا، ومن ثمّ احتلال لبنان بين 1990 و2005 ومصادرة القرار اللبناني على كل المستويات. كذلك يتحمّل هذا النظام التفجيرات بعد عام 2005 وبعد فتح السفارات بين لبنان وسوريا، مثل عبوات ميشال سماحة وتفجيرَي مسجدَي التقوى والسلام في طرابلس».
ويرى هؤلاء أنّ «هناك محاولة لتصوير لبنان عائداً الى نطاق نفوذ النظام السوري مجدداً وأنّ لبنان يجب أن «يلحّق حاله» من أجل التطبيع مع سوريا قبل أن يفوته القطار، وأنّ المجتمع الدولي يتهافت من أجل التطبيع مع النظام السوري، فيما الحقيقة عكس كذلك. فالنظام يحاول تصوير هذا الأمر بغية تحقيق اختراق غير متوافر سوى في لبنان، لأنه يعتقد أنه في حال نجح بانتزاع تطبيع مع لبنان سيتمكن بذلك من تعزيز أوراقه التفاوضية من أجل أن يبقى في السلطة، لأنّ استمرارَه في السلطة في دمشق ليس غير مضمون فقط بل غير مطروح».
ويشرحون أنّ الوضع في سوريا سيستمرّ على ما هو عليه، أي ستبقى سوريا خاضعة لنفوذ أجنبي يبدأ من واشنطن ولا ينتهي بموسكو، وبينهما طهران وأنقرة ودول الخليج... ولا تسوية في سوريا ولا سلام ولا انتهاء للحرب قبل إيجاد بديل عن الأسد، ولا إعمار في سوريا من دون مال أميركي وأوروبي وخليجي، وهذا المال لن يكون متوفراً إلّا في حال تغيير النظام والوصول إلى مرحلة جديدة. ويسألون: «بعد كل هذه المعطيات والوقائع أين مصلحة لبنان بالتطبيع؟».
لكن لا يظهر، أنّ توقيع لبنان الرسمي «تشيك» التطبيع استُغني عنه، بل جُمِّد إلى حين توقيع الحريري ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون على مرسوم التشكيلة الوزارية. إذن، «الخلاف راجع» عند صوغ البيان الوزاري.
نصرالله اقترح تأليف لجنة لوضع ما لنا وما علينا في الميزان، غامزاً من أنّ الغلبة ستكون لدفة التطبيع، الذي تشير المعطيات إلى أنه من مصلحة لبنان. إلّا أنّ هناك رأياً مخالفاً، يعتبر أصحابه أنّ «نصر الله سارع لسحب عقدة التطبيع من أمام الحريري لتسهيل مرور التأليف، لأنّ «حزب الله» يريد أن يكسب غطاءً من جهات مدنية ديموقراطية في لبنان تحظى بتأييد دولي، ففي ظلّ الوضع المأزوم للمشروع الإيراني من إيران وصولاً إلى سوريا، يعلم مسؤولو الحزب أنه بمجرد إعلان لبنان بكامله مستعمرة إيرانية، وهو على حافة الهاوية على الصعيد الاقتصادي، فإنه سيشهد مصيرَ تركيا وإيران، بعقوبات لن يصمد أمامها ساعاتٍ ولا أياماً». ويذكِّر أصحاب هذا الرأي بما يقوله الأميركيون عن الوزارات التي سيتسلّمها «حزب الله» وكيف سيتعاملون معها. لذلك، يعتبرون أن لا مصلحة للبنان بالتطبيع مع نظام بشار الأسد فاقد الشرعية العربية والدولية.
وفي حين صمد الحريري ونجح بتأجيل طرح التطبيع، ترى «القوات اللبنانية»، من جهتها، أنّ «نظرية حاجة لبنان إلى سوريا ساقطة، فكل الدول بحاجة إلى بعضها البعض». وتؤكد مصادر «القوات» لـ»الجمهورية» أنّ «لبنان لن يتعامل مع هذا النظام، الذي لن يستطيع أن يبتزّ لبنان بفتح حدود سوريا، فالحدود معابر دولية، والنظام أمام خيارَين، إما إبقاء هذه الحدود مقفلة وإما فتحها بشروط دولية وليس بشروطه هو، لهذا هذا الابتزاز غير قائم وساقط». وتعتبر «القوات» أنّ «النظام هو مَن يحتاج لبنان ولا مصلحة للبنان بالتطبيع، لذلك نرى من حين إلى آخر محاولات من أجل تمرير التطبيع أو تهريبه، الأمر الذي لا يُمكن أن يتحقق، فتحقيقه سيؤدي، بكل الحالات، إلى عزل لبنان، لأنّ المجتمعين العربي والدولي سيعتبران عندئذ أنّ لبنان أصبح جزءاً من سوريا وبالتالي عليه أن يتعرّض للعقوبات والعزلة نفسَيهما اللّتين يتعرض لهما النظام».
في المحصّلة، يُجمع المعارضون على أنّ «التطبيع لن يمرّ لا قبل التأليف ولا بعده في ظلّ التوازن السياسي القائم». فهل ضَرب لبنان موعداً مع الانقسام العمودي الحاد بين مَن مع التطبيع ومَن ضده بعد ولادة الحكومة؟ وأيّ مهلة ستكون الأطول، تأليف حكومة الحريري الثالثة أم صَوغ بيانها الوزاري؟