يعطي أحد السياسيين الفاعلين ملاحظة حول المقاربات اللبنانية الأخيرة حيال الوضع السوري، لافتاً إلى أن القوى السياسية مهتمة بالوضع السوري الحالي أكثر مما هي مهتمة بتأليف الحكومة، ومعنية بمعركة إدلب، أكثر مما هي معنية بالوضع الاقتصادي اللبناني المتردي. وتبعاً لذلك، حولت الحدث السوري وعودة العلاقات مع النظام السوري بنداً متقدماً على جدول أعمال الحكومة قبل أن تتألف.

الواضح أن الكلام عن سوريا بات موضوعاً أول على الجدول اللبناني بعدما أعيد تعويم ملف النازحين والعلاقة مع النظام السوري وكلام العهد عن فتح معبر نصيب والاتصال الذي أجراه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بالرئيس بشار الأسد.
وإذا كانت الحرب السورية أعادت ربط لبنان بسوريا للأسباب المعروفة، إلا أن الكلام اليوم عنها يختلف بسبب الحيثيات الجديدة.
يمكن لقوى ٨ آذار وحلفاء سوريا التحدث بإسهاب عن مرحلة مختلفة في عمر سوريا، لجهة ما تعتبره إعادة انتظامها تحت مظلة الرئيس الأسد، لكن يمكن أيضاً قراءة الحدث السوري من منظار مختلف.
أولاً، لم يعد الحديث عن سوريا وحدها واقعياً من دون ذكر مثلث سوريا وروسيا وإيران. وليست معاهدة الدفاع الأخيرة بين سوريا وإيران هي التي عززت هذه الصلة. منذ أن أصبح لإيران ومعها حزب الله وجود عسكري وأمني فاعل، ومنذ أن أصبح لروسيا قواعد على المتوسط، صارت سوريا مرتبطة حيوياً بالعاصمتين. من هنا فإن أي تعاط مع عودة الاستقرار إلى سوريا لا يتم إلا وفق القناتين الإيرانية والروسية.
وإذا كانت الأنظار موجهة إلى موعد الاستحقاق الأميركي ـــــ الإيراني كي تتضح صورة العقوبات ووجهتها، فكيف يمكن الكلام عن سوريا قبل جلاء هذه الصورة؟ وكيف يمكن تناول وضع سوريا بمعزل عما تريده روسيا ومفاوضاتها مع إسرائيل، كما حصل في ملفات كالجنوب السوري والجولان، أو بغض النظر عن مناوراتها في البحر المتوسط أو حوارها مع واشنطن الذي يبدأ بسوريا ولا ينتهي بأوكرانيا. وهل يصح الحديث عن سوريا مجردة من دون الكلام عن تركيا التي يبرز دورها بمجرد تناول أي حدث عسكري على حدودها وكما يجري حالياً في شأن إدلب؟ وهل يصح التحدث عن سوريا في وقت تفاوض إيران وروسيا عنها في المحافل الإقليمية والدولية؟. بالأمس كان وزير الخارجية الروسي يفاوض، قبل استقباله نظيره السوري وليد المعلم، وزير الخارجية السعودي عادل الجبير حول سوريا واللجنة الدستورية، ويتحدث عن مشاورات حول عملية عسكرية روسية وتركية مشتركة للقضاء على الإرهاب في إدلب. وبالأمس زار وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أنقرة قبل عقد القمة الثلاثية مع روسيا في طهران حول سوريا.
ثانياً، دلت تجربة الحرب في لبنان وهي التجربة العسكرية الأطول في المنطقة، أنه لا يمكن الكلام عن انتهاء أي حرب من دون إطار سياسي. في عز الحرب وخلال محطات طويلة منها، وقعت مئات قرارات وقف النار بين المتقاتلين وعقدت عشرات الاجتماعات والمؤتمرات السياسية ووضعت عشرات المسودات لصيغ سياسية تنهي الحرب. وإذا كان الاتفاق الثلاثي ومن ثم الطائف هما الوثيقتان الأبرز في المقاربات السياسية وفي استمرارهما واحد في العلن والآخر في الظل كأكثر الأطر السياسية حضوراً، إلا أنه لا يمكن القفز أيضاً فوق الوثيقة الدستورية، ومؤتمرات جنيف ولوزان وبيت الدين ولقاءات السعودية وفرنسا واللقاءات العربية وغيرها وغيرها. وفي كل ذلك كان لبنان حاضراً بقوة، سواء في لبنان أو خارجه مهما كانت الرعاية الإقليمية والدولية وشكلها. كل القوى السياسية كانت موجودة. رؤساء الجمهورية والحكومات والأحزاب. ما يحصل مع سوريا يختلف تماماً. ولأن إيران وروسيا تفاوضان ولأن هناك أدوات صراع أخرى في الميزان، من المبكر الكلام عن استقرار ، بغض النظر عن النتائج العسكرية في إدلب. أي استقرار لن يكون طويل الأمد، من دون الأخذ في الاعتبار الحل السياسي والإطار الذي يحدد مستقبل سوريا سياسياً، وعلاقات المجموعات السورية بعضها بالبعض الآخر. وهذا لا يزال غير ناضج بالمفهوم السوري الداخلي وبالمفاهيم الإقليمية والدولية، التي لها في سوريا والمنطقة مصالح متداخلة. ثمة استعجال في الكلام عن استقرار، لأن القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية هو جزء من الحرب وليس كلها. ففي لبنان حصلت أنواع وأشكال مختلفة من الحرب مختلفة عن تلك التي اندلعت عام ١٩٧٥. والاستعجال بالكلام عن الاستقرار يماثله الاستعجال في بدء الترويج للإعمار. لا إعمار من دون استقرار عسكري وسياسي ولا إعمار من دون أموال. وحالياً لا يمكن أن تأتي الأموال من روسيا أو إيران.