صحّحت الحركة التصحيحية في سورية مسار السلطة بقطع دابر الانقلابات من خلال قطع الرؤوس السياسية المتعددة والإبقاء على رأس واحد ملك وحده البلاد و العباد بواسطة عصا العسكر والأمن وكانت عسكرة سورية حجر الآثافي في البنية الحزبية الجديدة التي اعتمدت سياسة الحزب الواحد التي أنهت الأحزاب السورية واحتكرت السلطة في ممارسة أمنية وعسكرية أطبقت بقبضة من حديد على بلد كان مساهماً أساسياً في حركة التحرر العربي من الاحتلال وفي الدور القومي ببناء الدولة الوطنية المستعدة لتحرير فلسطين.
هذا الاستعداد السوري خسّر سورية الجولان لفقدان التوازن المطلوب في صراع مأسوف عليه كونه أسهم في حروب خاسرة هدمت من الطموحات العربية للشعوب ومنحت الأنظمة الفرص الثمينة في الاستمرار تحضيراً لأجواء القوّة التي ستسترد ما خسره العرب بفعل القوّة من أراضٍ ومن كرامات.
منذ احتلال الجولان والنظام السوري يعسكر كل شيء بحيث ألبس الصبيان بذلات القتال استعداداً لليوم الموعود و المشهود وكانت التربية المعتمدة تربية عسكرية قتالية ضدّ العدو الاسرائيلي وكانت عقيدة الجيش السوري قائمة على عدائية مطلقة للعدو وعلى تأهب حدودي لاسترداد الجولان ومن ثم باقي الأراضي العربية.
في تجربة الجيش العربي السوري خنق للحريات ووأد للحركات ومسح ذاكرة تاريخية لصالح بناء إنسان سوري نظيف من أي آفة سياسية وكل حياته متعلقة برغيف خبز ويحتاج الحصول عليه الى بناء أسرة تتجاوز العشرة أفراد طالما أن الثروة السورية ذاهبة لتنمية المجهود الحربي لخلق توازن في ميزان القوّة مع العدو الغاشم. وبعد تجارب مرّة تبين أن الثروة لم تنفق على التأهيل العسكري لجيش جائع بأكثر أفراده باستثناء رتب معينة أكلت ما وفرّ داعمو النظام للجيش من مواد غذائية وكانت الوسائل المتاحة أقل من بدائية فتصوروا أن عساكر الجيش العربي السوري يسلقون البيض والبطاطا بالخوذات العسكرية لافتقاد مواقع عسكرية للتجهيزات المطلوبة نتيجة السرقات المعتمدة.
إقرأ أيضًا: الممانعة تساوي بين جيش يحمي شعبه وجيش يذبح شعبه
بعدما أنجزه الجيش في سورية من هدم للهياكل الوطنية وقتل للروح الشعبية المتمردة لصالح فرد و أسرة سياسية واحدة أُوكل إليه مهمة مشابهة في لبنان فضرب المقاومة الفلسطنية والحركة الوطنية وحكم لبنان بنفس الأدوات المعتمدة في سورية للحظة مجيء القرار الأميركي الذي دفع الجيش السوري الى الانسحاب السريع من لبنان وسحب معه كل ما يمكن حمله في مشهد مأسوف عليه.
بعد الحرب السورية تبيّن أن الجيش مجرد بالون منفوخ بمنفخ خارجي وتمّ تنفيسه بأصغر الإبر وهذا ما دفع بإيران أولاً وبروسيا ثانياً للقتال نيابة عن الجيش و لم يفلح الإعلام الإيراني والروسي في إقناع أحد بأن للجيش دوراً في الجبهات القتالية رغم ما بذل من جهد لتأكيد حضوره في المنجز عسكرياً بفعل الصفقات المتبادلة بين الدول المعنية في الحرب السورية.
الآن تنتفخ أوداج الجيش على حدود إدلب المدينة والريف وهي من المحافظات الأكثر فقراً والتي تستحضر الأساطيل لخوض غمار تأديب إدلب التي سترفع أي علم من الأعلام المنتصرة شأنها في ذلك شأن باقي المحافظات التي تبايع الشاري أيّاً كان نظاماً أو معارضة روسياً وإيرانياً أو داعشياً أو من أي فئة في فئات البغي التي تقتات على الدم السوري.
لم تُمتحن عقيدة الجيش مع العدو الإسرائيلي ولو لمرة واحدة منذ تمسك النظام السوري بمنطق الهدنة مع العدو في حين أنه أجرى أكثر من امتحان على الشعبين السوري واللبناني حرصاً منه على سلامة العقيدة الفعلية التي بُني عليها كأداة غليظة في الداخل وأكثر من ناعمة على الحدود مع العدو وما الرد المناسب في الزمن المناسب إلاّ دلالة على نوعية السلاح الذي يمتلكه جيش الجولان في حين أن جيش الغوطة ودرعا وإدلب يملك من السلاح ما لا يملكه العدو فكل ماورثته روسيا من الإتحاد السوفياتي هو في خدمة الجيش الذي يريد أن يقتل شعبه فقط دون المسّ بأمن العدو.