في الأساس وضع برنامج عمل واضح لطريقة عمل القوات الدولية، وفي احد جوانب هذا البروتوكول أن تواكب قوات من الجيش اللبناني دوريات «اليونيفيل» في مهماتها والتي تشمل أيّ بقعة أو نقطة تريدها بلا استثناء ضمن مناطق عملها.
لكنّ أحد الضباط إرتأى أن يقوم بدورية استطلاع لمنطقة محددة في مجدل زون بلا مواكبة الجيش اللبناني، أو على الأقل، إطلاعه مسبقاً على ما ينوي القيام به. وهو على الارجح لم يُبلغ الى قيادته في الناقورة تفاصيل مهمته.
واللافت أنّ في العام الماضي تحرّكت ايضاً دورية لـ«اليونيفيل» في اتّجاه المكان نفسه ومن دون التواصل مع قيادة الجنوب في الجيش اللبناني، وحصلت يومها مواجهة أيضاً بين القوة الدولية والأهالي. ورجّح الأهالي يومها أنّ الدورية تحرّكت بمعزل عن البروتوكول القائم استناداً الى تفاهم سرّي حصل بين الضابط الذي قاد الدورية وضباط إسرائيليين بهدف الاستعلام عن مسائل محدّدة في المنطقة. ولكنّ تكرار المحاولة بعد نحو سنة استتبع رداً أكبر ما فُهم أنه رسالة من «حزب الله» عبر اهالي البلدة.
وقيل إنه جرى تشابك بين الجنود والأهالي وانتزاع اسلحة البعض، وأثناء انسحاب الدورية حصلت اصطدامات عدة بين الآليات وسيارات مدنية كانت تقف جانباً، ما أدّى لاحقاً الى تعطُّل احدى الآليات وبقائها في الشارع بعدما أخلاها الجنود الدوليون. واعتبر البعض أنّ «حزب الله» تعمّد توجيه رسالة أكثر حزماً بعد تكرار المحاولة الثانية كونه يعتبرها طلباً إسرائيلياً.
ولكن بخلاف المتوقع تعاطت الأمم المتحدة و«حزب الله» بكثير من المرونة وبأسلوب استيعابي لتداعيات الحادثة. فبقي كثير من الجوانب القاسية بعيد من التداول الإعلامي وتولّت قيادة الجيش اللبناني اعادة ترتيب التفاهمات خصوصاً أنّ نهاية آب الجاري تلحظ تجديد مهمة قوات «اليونيفيل».
وقبل التمديد الماضي لهذه القوات برز اتّجاهٌ قوي لتعديل مهمة هذه القوات وإدراجها تحت الفصل السابع. يومها بذلت جهود مضنية لإمرار التمديد كما هو، ولكن وبعد حصول ذلك صدر همس أميركي مفاده أنّ التمديد المقبل سيكون أكثرَ صعوبة وأنه سيختلف كثيراً، وأنّ على لبنان الإستعداد لذلك. لكنّ تمديد 2018 يمرّ بكل سلاسة، وحادثة مجدل زون شكلت إختباراً مبكراً.
لذلك، لا بل هناك اشارة اخرى مطمئنة وتؤشر الى أنّ مستقبل الجنوب لن يشهد توترات بين «اليونيفيل» والأهالي أو بيئة «حزب الله».
ذلك أنّ تعيين الايطالي ستيفانو ديلكول خلفاً للإيرلندي مايكل بيري قائداً لقوات «اليونيفيل» يُعتبر مؤشراً إيجابياً، لأنّ ديلكول كان خدم سابقاً في صفوف هذه القوات لفترة لا بأس بها، ما يعني أنه يعرف جيداً الطبيعة السياسية لمنطقة الجنوب ووجوب التعاطي بمرونة للوصول الى الأهداف المطلوبة، والجوانب الحساسة الواجب مراعاتها. اضف الى ذلك أنّ لإيطاليا مصالح نفطية كبيرة في البحر من خلال الشركة الإيطالية، وهو ما يعني أنه لو صحّ وجود نيات للتوتير فإنّ روما ما كانت لتزجّ نفسها في وقت تحرص على مصالحها النفطية.
وفي المحصلة تبدو الساحة الجنوبية بمعزل عن القُطَب السياسية المخفية، خصوصاً وسط كلام جديد بدأت الامم المتحدة تسوّق له، وهو يحظى على الاقل بموافقة اميركية، ومفاده أنه رغم الاحتقان الكبير الحاصل في مناطق وساحات مجاورة لمنطقة عمل القوات الدولية إلّا أنّ الهدوء استمرّ في جنوب لبنان ولم تُسجّل توترات أو رسائل إقليمية طوال السنوات الماضية. وحتى خلال المراحل الماضية كانت جهات فلسطينية تستغلّ وجود بعض الثغرات لإطلاق صواريخ في اتّجاه الجانب الإسرائيلي، وكانت مجموعات متطرفة تعمل لاستهداف القوات الدولية. وكان يجري لاحقاً كشف كافة خيوط وخلفيات هذه الأحداث ويُعمل على إغلاق هذه الثغرات.
وتوصل الجيش اللبناني لاحقاً بالتعاون مع «اليونيفيل» ونفوذ «حزب الله» الى إغلاق الساحة الجنوبية بنحو كامل ما ادّى الى استقرار دائم طوال السنوات الماضية.
طبعاً تدرك الامم المتحدة انها أخطأت سابقاً كالحكومة اللبنانية في عدم لحظ منطقة عمل لقوات «اليونيفيل» في المنطقة التي تسيطر عليها اسرائيل، ولو كانت هذه المنطقة رمزية، وتدرك ايضاً انّ الاتصال المفتوح الموجود بين ضباط منها وآخرين اسرائيليين قد يدفع الى حصول تطورات غير محسوبة، وهي ربما في صدد معالجة هذا الوضع.
لكنّ الأهم انّ الساحة الجنوبية ستكون خارج أيّ تجاذبات صعبة، فيما المرحلة المقبلة تؤشر الى استحقاقات هائلة، خصوصاً على الصعيد الفلسطيني. فالإدارة الاميركية التي تعيش ازمة قاتلة، اتّخذت قرارها على ما يبدو بتفكيك وكالة غوث اللاجئين (الاونروا) تمهيداً وتحضيراً لشطب حق عودة الفلسطينيين الى ارضهم، وبكلمة اوضح توطين فلسطينيي الشتات في أماكن وجودهم. وجاء كلام سفيرة الولايات المتحدة الاميركية في الامم المتحدة نيكي هايلي واضحاً وصريحاً عندما دعت الى إزالة ملف حق العودة من الطاولة.
لكن وسط النزاع المتأجّج في المنطقة ستسعى قوى كثيرة الى اجهاض سعي واشنطن لتطبيق «صفقة العصر». ويكفي في هذا الاطار ما قاله المفوض العام لوكالة «الاونروا» في اطار تحذيره من تفكيكها: «لا يمكن المرء أن يتمنّى اختفاء خمسة ملايين شخص هكذا بكل بساطة».