ارتفعت أسعار النفط في الأونة الأخيرة وستبقى في حدود ٧٨ إلى ٨٠ دولاراً للبرميل حتى نهاية السنة إذا لم ترتفع أكثر من ذلك. وذلك بسبب عدد من العوامل منها أن صادرات إيران في آب (أغسطس) انخفضت إلى أقل من مليون برميل في اليوم بعد أن كانت في أيار (مايو) مليونين و٦٠٠ الف برميل في اليوم. وأيضاً كان هناك انخفاض كبير في المخزون الأميركي، إذ أن المصافي الأميركية كانت تستهلك جزءاً كبيراً من النفط في الصيف، خصوصاً أن بعض المصافي شهدت حوادث وتوقفت عن تزويد البنزين فأدى ذلك إلى ارتفاع في طلب المصافي في أميركا. وامتنعت الصين منذ ثلاثة إلى أربعة أسابيع عن شراء النفط الأميركي، وكانت المستورد الأول له خلال حزيران وتموز (يونيو ويوليو) ما أدى أيضاً إلى ارتفاع سعره. وذلك بسبب حرب ترامب التجارية. واشترت الصين الكثير من النفط من غرب أفريقيا ومن بحر الشمال. ولكن على رغم هذا الارتفاع في أسعار النفط حذر البعض بأن السنة المقبلة قد تشهد أسعار نفط تتجه إلى الانخفاض أو أنها ستبقى على مستواها، وذلك بسبب تطور مهم على صعيد السوق العالمية وهو وصول النفط الأميركي إلى الأسواق العالمية بكثافة. أن الولايات المتحدة الآن منتج كبير بقدرة تفوق١٠ ملايين برميل في اليوم من النفط، ولكن قدرتها التصديرية ما زالت محدودة بسبب عدم توفر ما يكفي من الأنابيب للتصدير.
ورأى رئيس «توتال» باتريك بوياني في تصريح له في بداية الأسبوع أنه ينبغي الحذر بالنسبة إلى مستقبل أسعار النفط السنة المقبلة بسبب زيادة التصدير الأميركي. والشركات الأميركية حالياً تسرع في بناء الأنابيب في شكل ملفت وفق المتعاملين بالنفط. وزادت أميركا من إنتاج النفط الصخري في شكل كبير. وبنسبة بلغت مئة ألف برميل في الشهر وستزيد مع زيادة الأنابيب. ولكن الولايات المتحدة ما زالت تستورد كميات من النفط السعودي تراوح بين ٧٠٠ ألف إلى ٨٠٠ ألف برميل في اليوم، لأنها في حاجة إلى نوعية هذا النفط لمصافيها لإنتاج البنزين. وكانت دعوة ترامب في الصيف لخفض أسعار النفط مرتبطة بسعر البنزين الذي ارتفع إلى حوالى ٣ دولار للغالون، ولأن شهر تشرين الثاني (نوفمبر) سيشهد انتخابات مهمة له. وأميركا الآن تبني مصافٍ جديدة أي أنها تستعد لتقليص استيرادها النفطي لتكرير نفطها الخام في السنوات المقبلة، وفي نفس الوقت ستزيد تصديرها من النفط الخام، من الآن إلى ٢٠٢٠ سيكون في الولايات المتحدة أنابيب جديدة ستكون قادرة على نقل ٢.٦ مليون برميل في اليوم من النفط، إضافة إلى إمكانية التخطيط لقدرة تصديرية تصل إلى مليون برميل في اليوم عبر أنابيب إضافية.
في السنوات المقبلة ستكون الولايات المتحدة مصدراً أساسياً إلى جانب السعودية وروسيا على صعيد السوق العالمية للنفط. كما أنها في المستقبل الأبعد ستتمكن من إنتاج وتصدير غاز مسال طبيعي يوازي قدرة قطر من إنتاج الغاز الطبيعي وفق الخبراء. ولا شك أن السنتين المقبلتين ستشهدان ظهور لاعب أساسي في السوق النفطية العالمية، والسؤال هو كيف: ستتعامل «أوبك» مع هذا اللاعب الذي منذ زمن طويل ينتقد التكتلات ويسميها كارتيلات؟ ويطالب بعدم تنظيم لا مستويات الإنتاج ولا إدارة الأسعار. إن وصول النفط الأميركي بكثافة إلى الأسواق العالمية سيكون التحدي الحقيقي لمستوى الأسعار ولتكيف «أوبك» مع هذا التطور الهام. أما ترامب فمن الصعب أن يعمل لبقاء سعر النفط في مستوى معقول للمستهلكين والمنتجين، إذ أنه يريد أسعار بنزين منخفضة ليسجل لناخبيه نجاحاً. وهو لا يبالي في حاجات غيره من الدول المنتجة. فالحذر مطلوب بالنسبة إلى توقع مستوى سعر النفط، وبالنسبة لاعتماد الدول المنتجة موازنات على مستويات مرتفعة أكثر من المتوقع.