قبل البحث في احتمال وقوع أي مواجهة روسية ـ أميركية أو سورية - أميركية على وقع التهديدات المتبادلة باحتمال استخدام الأسلحة الكيماوية اذا نفّذت اي من المجموعات السورية التي تتفيّأ بهذه القوى الدولية مثل هذه العمليات او النظام على أراضي سوريا، ينبغي التذكير بما رافق سنوات الحرب التي اقتربت من منتصف سنتها الثامنة من أحداث بهذا الحجم.
فعلى رغم كل أشكال الحروب والتحولات التي شهدتها جولات العنف المتمادية في سوريا منذ الشرارة الأولى في درعا في 16 آذار 2011 وحتى الأمس القريب، لم يحدث أن حصلت أي مواجهة مباشرة بين أي قوة إقليمية او دولية كانت ترعى او تدير مسار الحرب من بُعد بين المنظمات السورية من جهة والنظام وحلفائه من جهة أخرى.
فباستثناء المواجهة الجوية التركية - الروسية التي انتهت بإسقاط طائرة السوخوي 24 الروسية فوق جبال التركمان شمال محافظة اللاذقية المحاذية للحدود مع تركيا في 24 تشرين الثاني 2015 بعد 7 اسابيع على التدخل الروسي المباشر، والطائرة الاسرائيلية التي سقطت في الجولان المحتل في شباط الماضي نتيجة عدم استخدام قائدها نظم الحماية التقليدية، والأخرى السورية التي اقتربت من المنطقة المحتلة في تموز الماضي، لم تسجّل اي مواجهة أخرى على هذا المستوى على رغم مشاركة طائرات اكثر من 7 دول عربية وغربية من الحلف الدولي والروس واسرائيل والأتراك فوق الأراضي السورية في وقت ويوم واحد في اكثر من منطقة سورية متقاربة.
قبل التدخل الروسي العسكري المباشر فجر 1 تشرين الأول 2015 لم تكن هناك أي تدابير أو نظم حماية متّفق عليها لمنع حصول مثل هذه المواجهات الدولية، فقد كانت طائرات الحلف الدولي المُعلن على الإرهاب تسيطر بنسبة 95% على الأجواء السورية ولا تنافسها سوى الطائرات السورية في أوقات متفاوتة. ولذلك لم يقع أي حادث يذكر، فقد كانت الأجواء السورية ملكاً لفئة واحدة، وخصوصاً عندما تمّ تعطيل أكثرية القواعد الجوية السورية في وسط البلاد وشمالها وجنوبها.
وبعيداً من هذه الصورة التي عبّرت عن مرحلة سابقة من الحرب السورية سبقت القمة الروسية - الأميركية، فقد استبعدت تقارير ديبلوماسية وعسكرية حصول اي مواجهة جديدة على رغم الحديث عن وجه جديد لـ»الحرب الثالثة» المقبلة على وقع حشد البوارج الروسية والأميركية في البحر المتوسط والخليج العربي بالإستناد الى اكثر من سبب، وهذه عيّنة منها:
-1 ليس وارداً لدى ايّ من الرئيسين الأميركي او الروسي القيام بأي مواجهة عسكرية مباشرة في سوريا، فقد تحاشيا وقوع مثيلاتها طوال الأعوام الثلاثة الماضية على رغم قيامهما بآلاف الطلعات الجوية نتيجة التنسيق المسبق، والذي لم يتعطّل سوى لأسابيع قليلة قبل إعادة فتح الخطوط الحمر بين الجانبين قبل اربعة أشهر.
-2 السعي الروسي الى تنظيم حوار غير مباشر بين طهران والرياض لتخفيف أجواء الاحتقان في اليمن وسوريا في خطوة لا بد منها لاستكمال تنفيذ ما بدأته من إجراءات لتقليص الدور الإيراني في سوريا والأمل في إعادة مئات الألوف من النازحين السوريين الى بلادهم. كذلك بالنسبة الى فتح الباب امام واشنطن للتراجع عن عقوباتها على طهران، التي أعقبت وقف اعترافها بالتفاهم النووي الإيراني أو تخفيفها نتيجة الأخذ بما يمكن من شروطها حول وقف توسّع إيران خارج حدودها الجغرافية.
-3 ليس خافياً على أحد أنّ أي مواجهة في إدلب أو في أي منطقة في الشمال السوري ستضع موسكو في مواجهة مزدوجة مع واشنطن من جهة وحليفتها الجديدة أنقرة من جهة ثانية، نتيجة سيطرتها على بقعة كبيرة من ساحة العمليات المحتملة، وهو ما ستتحاشاه موسكو في هذه المرحلة الدقيقة بالذات. ولذلك سيتلاقى الجميع عاجلاً أم آجلاً لتأجيل أو تفادي مواجهة من هذا النوع تعيد خلط الأوراق من جديد.
- ما قدمته موسكو لتل أبيب في المرحلة السابقة كاف للتخفيف من حدة التدخل الإسرائيلي على الأقل في المدى المنظور. فسحب القوات الإيرانية وحلفائها الى مسافة 85 كيلومتراً من الجولان المحتل لا يمكن إلّا ان تقدّره عالياً. وستتحاشى اسرائيل أي عملية تغضبها في هذه المرحلة بالذات، والدليل غياب أي ضربة اسرائيلية على سوريا منذ تلك المحطة.
وتأسيساً على ما تقدّم، تختم التقارير الديبلوماسية الى أنه مهما بلغت اللغة الديبلوماسية المتبادلة من حدّة وحماوة بين موسكو وواشنطن، ومهما حشد الطرفان من بوارج وحاملات صواريخ في البحر المتوسط والخليج العربي لن تستخدم صواريخها وأسلحتها في الوقت الراهن. فـ«الحرب الثالثة» في سوريا «مؤجلة» إن لم تكن «مستحيلة»، لا بل إنّ ما يجري من حشد عسكري سيشكّل حافزاً لرفع مستوى التنسيق العسكري والديبلوماسي على المستوى الدولي وسط اعتقاد بأنّ موسكو ستكون في موقع المُحرَج والمُربَك اكثر من واشنطن. وهي، وإن تجنّبت المواجهة المباشرة مع واشنطن، فهل يمكنها لجم اي خطوة ايرانية وسورية متهورة إذا صحّ انها لم تَبلَع بعد زيارة وزير الدفاع الإيراني الى سوريا في الأيام الماضية. فمخاوفها من جولة من المزايدات الإيرانية في مكانها وهي تحتسبها بدقة، وستكون مدار بحث مع وزير الخارجية السورية الذي سيزور موسكو في الساعات المقبلة قبَيل انعقاد القمة الثلاثية الروسية ـ التركية ـ الإيرانية المتوقعة في 7 ايلول في طهران.