يقول رئيس الجمهورية ميشال عون إنه ينتظر من رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري أن يقوم بـ»واجبه» في تقديم مسودة حكومية، قبل أن يدلي صاحب التوقيع المشترك، بدلوه. فيما يتسلّح الثاني بحجة المراوحة وعدم تقدّم أيِّ فريق بخطوة الى الأمام من باب خفض السقوف، لكي يبادر إلى زيارة القصر الجمهوري واطّلاع سيّده على المستجدات، كونها لا تزال في عالم الغيب!
حتى اللحظة، لا تزال العقد في الخشبات الثلاث، المسيحية بالدرجة الأولى، ومن ثمّ الدرزية، وفي نهاية المطاف السنّية. يحاول رئيس مجلس النواب نبيه بري الدخول على خطّ عقدة «الجبل» من خلال التقليل من صعوبتها، ولو أنّه يدرك تماماً أنّ التطورات الحاصلة في هذا المربّع قد ترفع من منسوب التأزّم الى هذا المستوى بالذات.
وفق المطّلعين لا يمكن فصل الحفاوة التي لاقاها رئيس «الحزب الديموقراطي اللبناني» طلال أرسلان في موسكو عن مسار التنافس الحاصل بينه وبين رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط على المقعد الوزاري الدرزي الثالث.
صحيح أنّ النائب تيمور جنبلاط كان قد سبق أرسلان إلى موسكو بعشرة أيام، تحت عنوان «تأمين حماية الموحدين الدروز في جبل العرب»، إلّا أنّ لزيارة أرسلان مغزى آخر، له امتداداته الإقليمية المتصلة برغبة القيادة السورية في تعزيز وضعية حليفها الدرزي على الطاولة الحكومية اللبنانية، على ما يقول المطلعون.
ومع ذلك، بات جلياً أنّ مشاورات التأليف صارت معلّقة على حبل الاشتباك الإقليمي الآخذ في الاشتداد. لا تكفي التطورات الميدانية التي سجّلها الجنوب السوري لمصلحة النظام، للمراهنة على اقتراب الحلّ السياسي. وما السيناريوهات المتداوَلة عن ضربة قد تشنّها الولايات المتحدة تحت عنوان التصدي لـ»هجمات كيمياوية» قد يسدّدها النظام في منطقة إدلب، إلّا مؤشرات واضحة على انقلاب مسار المقاربات الدولية حيال الملف السوري.
يقول أحد المتابعين إنّ الإشارات الآتية من قلب العاصمة الأميركية، تشي بأنّ عقارب الساعة عادت إلى ما قبل قمة هلسنكي التي ساد اعتقاد أنّها كرّست تفاهماً أميركياً ـ روسياً حيال الملف السوري يقضي بتسليمه إلى القيادة الروسية، حيث يبدو أنّ مراكز القوى في الإدارة الأميركية رفضت التسليم بهذا المنطق لتعيد رسم حدود النفوذ على البقعة الملتهبة في الشرق الأوسط.
ولهذا يسود الاعتقاد أنّ أولى ضحايا اشتداد الاشتباك الإقليمي الممتد من اليمن، مروراً بالعراق وسوريا وصولاً إلى لبنان، هي الحكومة العتيدة، لاعتبارات عدة تمنع أيّاً من حائكي سجادتها من التقدم خطوة إلى الأمام، لتسهيل ولادتها.
ولهذا يرى أحد المعنيين أنّ المشهد اللبناني مفتوح على سيناريوهات أربعة، تكاد تتنافس على صعوبة تحقيقها:
- أولها وأصعبها، دخول البلاد في نفق الاهتراء، خصوصاً على المستويين المالي والاقتصادي اذا ما سقطت كل المعالجات القادرة على تحقيق خرق حكومي ما. وقد حذّر وزير المال علي حسن خليل من دنوّ هذا الاستحقاق، خصوصاً وأنّ المالية العامة ستواجه أزمة صعبة اذا لم توضع موازنة جديدة، ما قد يستدعي الحاجة إلى تشريع مالي يعالج مشكلة العجز في المدفوعات.
- ثانيها، أن يستسلم رئيس تيار «المستقبل» للضغوط التي تمارس عليه لكي يقدم تشكيلة حكومية تراعي موازين القوى البرلمانية وفق نظرة قوى الثامن من آذار، ما قد يعرّضه لهجمة داخلية يشنّها خصومُه قد تفقده آخر رصيده الشعبي. والأهم من ذلك، تعرّضه لعزلة إقليمية، وتحديداً من جانب السعودية التي ستعتبر الخطوة تخلياً عنها وعن حلفائها لمصلحة الخصوم.
أضف إلى ذلك، تغيّر مسار المناخ الدولي الذي يغطي الحريري منذ خروجه من السعودية على أثر أزمة الاستقالة في الرابع من تشرين الثاني الماضي، حيث يقول أحد المعنيين إنّ الرهان على غضّ نظر أميركي تجاه أيِّ خطوة تساهلية من جانب الحريري لم يعد في محله بعد ارتفاع لهجة الإدارة الأميركية تجاه مشاركة «حزب الله» في الحكومة.
وفي هذا اليساق يُنقل عن السفيرة الأميركية في لبنان إليزابيت ريتشارد خلال الأيام الأخيرة مواقف تصعيدية من هذه المسألة بعدما بدت لهجتها في الأيام الأولى للتكليف، أكثر ليونة. لكنّ تطوّر المناخ في الإدارة الأميركة لمصلحة الجناح المتشدّد، ساهم في رفع سقف «دفتر الشروط» الأميركي.
- ثالثها، أن يقدم رئيس الجمهورية على خطوة انفتاحية من خلال تخفيف أثقال الشروط عن كتفيّ الحريري، خصوصاً على المستويين المسيحي والدرزي، لكن أيَّ خطوة من هذا النوع ستكون كلفتها باهظة على العهد الذي سيخسر من رصيده الشعبي بفعل أيِّ تراجع قد يقوم به الرئيس في هذه اللحظات الحرجة كونه سيُعتبر تنازلاً غير مرغوب به من شارعه.
وهنا يُلاحظ أنّ «حزب الله» يحاول تلقّف احتمال التصعيد السياسي لإبعاده من الساحة اللبنانية قدر الإمكان، ولذا تراه يضع العقدة السنّية في آخر سلّم العقد الحكومية. وقد تجلّى الأمر من خلال ترحيل الأمين العام السيّد حسن نصرالله ملفّ التطبيع مع سوريا الخلافي إلى ما بعد تأليف الحكومة، ما يعني «إنقاذ» البيان الوزاري من هذا «الفخ».
- رابعها، رفع سقف المواجهة والتحدّي، سواءٌ من خلال إصرار رئيس الجمهورية على «حشر» رئيس الحكومة المكلف «دستورياً»، أو من خلال تقدّم الحريري بتشكيلة حكومية تنسجم مع مقاربته لتوزيع الحصص، فيرفضها عون كونها لا تراعي معايير تمثيل الكتل النيابية. وهنا تكمن الخشية من بلوغ سقف التحدّي مراحل متأزّمة تصبح بعدها العودة إلى الوراء صعبة جداً...