بالتأكيد يستطيع الصراف أن يفرض «أوامرَه» على عناصر مخيم أشبال الانضباط في «التيار الوطني الحر» الذي شارك فيه وأُقيم قبل أيام في بشتودار، أكثر ممّا فعل في وزارة الدفاع.
منذ البداية لم تركب «الكيمياء» بين وزير الدفاع «العوني» وقائد الجيش العماد جوزف عون. الرجلان نتاج تزكية شخصية من رئيس الجمهورية ميشال عون، لكن بخلاف مسار طويل من علاقةٍ اكتسبت عنوان التنسيق والتعاون، وأحياناً كثيرة «التطنيش»، بين وزراء الدفاع وقادة الجيوش المتعاقبين، فإنّ علاقة الصراف وعون اتّخذت منحى «الحرب الباردة» التي لم ينجح رئيس الجمهورية ولا الوزير جبران باسيل في لجمها.
يتحضّر الصراف لمغادرة مقرّ وزارة الدفاع قريباً وهو على خصومة قاسية مع قائد الجيش. مَن حضر احتفالَ عيد الجيش في الأول من آب ورَصَد تواصل «معالي الوزير» و»الجنرال» أدرك أنّ الخلافَ أكبر من أن تتكفّل الأيام القليلة المتبقية من حكومة تصريف الأعمال من «تنفيسه» أو حلّه.
بات من الصعب حجبُ «ظلال» الخلاف بين الرجلين. حيطانُ اليرزة تقول الكثير، لكنّ الحرص الثنائي على عدم تفشّي بقعة زيت «الجفاء» بين الطرفين، إنكسر في آخر أيام الحكومة.
معروفة الحساسية «التقليدية» بين وزراء الدفاع وقادة الجيوش. هي مسألة صلاحيات وفرض هيبة بين وزير الوصاية وقيادة الجيش التي تخضع لسلطته وفق نصّ المرسوم الاشتراعي 102، إضافة الى كافة مؤسسات وزارة الدفاع وهي المفتّشية العامة والمجلس العسكري والمديرية العامة للإدارة.
كان يُتوقع لمَن أتيا من الملعب السياسي نفسه أن يشكّلا فريق عمل منسجماً، لكنّ الواقع كان غير ذلك. وصل الأمر الى حدّ الانقطاع التام عن التواصل منذ أشهر بين الوزير وقائد الجيش رغم الأمتار القليلة التي تفصل بين مكتبيهما. إجتمع الرجلان في رحلة عمل واحدة الى الخارج للمشاركة في «مؤتمر روما»، لكنهما لم يلتقيا طوال أيام انعقاد المؤتمر!
شكّل هجوم الوزير السابق وئام وهاب على الجيش قبل أسابيع مادة جدل سياسي، خصوصاً أنه معروف بـ «نتعاته» الإعلامية والتي تسقط أحياناً كـ «الباراشوت» من دون سابق إنذار.
بعد ثلاثة أيام على هجوم وهاب على الجيش، يقول وزير الدفاع إنه أرسل كتاباً الى قيادة الجيش يطلب منها تزويدَه بالأجوبة عن الاتّهامات المُساقة ضد المؤسسة العسكرية تحديداً في ملف شراء سيارات جديدة للضباط بقيمة 30 مليون دولار، قائلاً «يجب أن أفهم ماذا يحصل لكي أدافع عن الجيش».
في الكتاب يطلب الصراف إيداعَه جدولاً بالآليات المدنية المسلّمة الى الجيش لناحية نوعها وعددها وتاريخ صنعها، كما استدراك الحاجة لاستبدالها بالسرعة الممكنة. ويؤكّد الصراف «على وجوب استبدال كل الآليات التي تخطّت خمس سنوات في الخدمة، وخاصة تلك الموضوعة بتصرّف قادة الوحدات العسكرية».
لم يصل أيّ جواب على الكتاب المرسَل منذ 23 تموز الجاري الى مكتب الوزير، مع العلم أنّ قيادة الجيش قامت لاحقاً، وبعد أيام من إرسال كتاب الصراف، بإحالة اتّهامات وهاب، عبر مكتب الوزير، الى الجهات المختصّة لإجراء المقتضى القانوني واعتبارها بمثابة إخبار.
يؤكّد الصراف في مجالسه أنه كان المبادِر الى طلب توضيحات من القيادة ليردّ على اتّهامات الوزير السابق، «بما أنني مغيّب عن كافة القرارات التي تتّخذها القيادة». يعكس هذا المشهد جزءاً من أزمة أعمق توالت فصولها طوال إقامة وزير الدفاع في اليرزة.
وَضَع الصراف بعد أسابيع فقط من تعيينه، وبناءً على توجيهات مباشرة من رئيس الجمهورية، خطةً لم ترَ النور تضمّنت كل مفاصل العمل في المؤسسة العسكرية، لكنّ وزير الدفاع يقول إنه تمكّن من فرض «روحيّتها» في بعض الملفات كإجراء مناقصة مثلاً في ما يتعلق بإنشاء المستشفى العسكري، مع العلم أنه لا يزال يشكّك بإمكانية بناء مستشفى جديد واعتماد هيكلية عمل جديدة وشفافة «طالما أنّ الهدر القائم يناسب كثيرين من المنتفعين من هذا الواقع»!
تضمّنت الخطة جوانب عدّة منها الاستراتيجية الدفاعية لناحية تطوير الاتّصالات المشفّرة و»سايبر فورس» والعمل المدني في الجيش، والاتّفاقات الدولية، وإعادة تنظيم الجيش، وعودة التجنيد الإجباري، والتعليم، وخدمات القطاع الخاص ضمن الجيش (وظائف لكل القطاعات يتولّاها «جيش» المتقاعدين من الجيش)، المحاكم العسكرية، دائرة الأملاك، التسليح، المناقصات، نظام التقاعد، مشاريع الإسكان، التعليم، توظيف المتقاعدين، تعويضات نهاية الخدمة، وضع الموازنات، إجراء المناقصات...
في مجالسه الخاصة يقول وزير الدفاع إنه حورب خلال ممارسة صلاحياته وشعر بظلم كبير «الأمر الذي لم يحصل في عهد جان قهوجي قائد الجيش السابق»، وهو يدافع عن نفسه حيال اتّهامات ضباط اليرزة له بأنه «يوقف معاملات ويجمّدها»، ويعتمد سياسة «تقنين» قاسية في منح رخص السلاح، و»يفلّي النملة» في معاملات تحتاج الى سرعة البتّ بها...
يجزم الصراف أنه وقّع أكثر من الف رخصة سلاح لـ «جماعة اليرزة» فقط، أي الطلبات الصادرة من «مكتب القائد» وباقي الضباط، ولم يوقف إلّا تلك التي تعتريها الشبهات، مؤكّداً أنه خلال سنة ونصف لم يوقّع أكثر من 15 معاملة لا تأثير لها في عمل الجيش!
بالمقابل، حَجَب توقيعه في كثير من الأحيان عن معاملات وصلت الى مكتبه، «وهو ما يندرج ضمن صلاحياته البديهية»، كما يقول، بعدما اقتنع بصوابية عدم التوقيع عليها، لكنّ الأهمّ برأيه أنها لا تعطّل عمل الجيش ولا تعرقل إنتاجيّته كما كان البعض يحاول أن يعمّم هذه المناخات».
لا يستوعب الصراف «الكمّ» من العدائية التي ووجه بها خلال عمله في الوزارة. لطالما ردّد أمام قريبين منه أن لديه محظورين في عمله السياسي وفي حياته الشخصية: شتمّ الدين والكذب. ويبدو أنه إكتشف «منظومة» متكاملة من فبركات كاذبة تطال عمله وسلكويته «النظيفة» والشفافة، على حدّ تعبيره.
برأيه، سيقطع يده قبل أن يوقّع على معاملة تتعلق بتسوية وضع ضابط برتبة ملازم لناحية الترقية والإحالة الى التقاعد وهو «من الذين ضيّفوا الشاي في مرجعيون»، أو يوقع قرارات تتعلق بنقل موظفين متعاقدين مع الجيش دخلوا الى الجيش وقبضوا رواتبهم من صندوق الأموال الخاصة ثم تطلب قيادة الجيش نقلهم الى «الاموال العامة» لقبض رواتبهم ومخصّصاتهم ما يعني بالنسبة للصراف «تثبيتهم» من دون المرور بامتحانات وآلية التوظيف القانونية، مستغرباً «كيف أنّ أحد الضباط الكبار في المجلس العسكري، وقبل إحالته الى التقاعد بأسبوع، وظّف إبنه وإبنة أخيه في الأموال الخاصة».
رفض الصراف أيضاً تنفيذ عقوبة انقطاع موقت بحق ضابط برتية مقدّم أوقف بسيارته يهرّب السلاح من أجل بيعه لتنظيمات متطرّفة. حكم عليه 6 أشهر، وبعد الاستئناف خفّضت العقوبة الى شهر، ما يعني عدم إمكانية طرده من الجيش، لكنّ الصراف رفض التوقيع على القرار.
وكان وزير الدفاع حَجَب توقيعه على قرار تنفيذ عقوبة انقطاع موقت عن الخدمة بحقّ ملازم بناءً على قرار المجلس التأديبي. طلب الصراف الاطّلاع على نصّ القرار قبل التوقيع، لكنّ الطلب لم يُلبَّ.
بالأساس، اعترض الصراف ولا يزال على «سلوكيات» عدّة داخل المؤسسة العسكرية كان يُفترض أن يوضع حدّ لها منذ تعيين العماد عون في منصبه، كما يردّد.
ثمّة موظفون، برأيه، لا يزال توقيعهم يرد الى جانب توقيع قائد الجيش وهمّ من المحسوبين على حقبة «عُرفت بفسادها». واجه وزير الدفاع أيضاً سياسة تخزين ملايين الليترات من المازوت العائد للجيش في منشآت نفطية مقابل بدل مالي، متسائلاً «لماذا لم يتمّ استرداد الأموال التي لم يتمّ صرفُها على المازوت الى الخزينة ولماذا يطلب تخزين الكميات الفائضة؟».
وعارض الإبقاء على عقد الامتياز الإحتكاري المعطى لشركة توزيع المازوت وعدم الاعتماد على أكثر من شركة عبر فتح باب المناقصات، وإعترض على «إدارة» توزيع صفائح المازوت الفائض على منازل الضباط والعسكر (المتزوجون فقط) وليس على الثكنات والمقرات العسكرية، وعدم إجراء مناقصات لناحية تأمين بعض التجهيزات الاساسية للجيش... إعترض حتى على سعر ربطة الخبز التي يشتريها الجيش من الأفران في بيروت والمناطق، ولا يجد تفسيراً لورود إسم ضابط كبير ح.م على جدول أموال المساعدات الاجتماعية حيث خصّص له مليون و500 الف ليرة شهرياً، إضافة الى مخصّصاته. لم ير منفعة في تغيير البدلة العسكرية والرينجر «ما خرب بيوت التجار»، ويحمل على الهدر الحاصل في المستشفى العسكري «حيث هناك 200 مليون دولار تستفيد منها المستشفيات الخاصة»...