إقليمياً، ثمة خطوات تتسارع منذ ايام وفرضت نفسها في صدارة مشهد المنطقة، وتتقدمها التحضيرات العسكرية لضربة اميركية جديدة في سوريا بالشراكة مع بريطانيا وفرنسا. واللافت للانتباه فيها هو ما يحكى عن ضخامتها، وكذلك تزامنها مع الحديث المتزايد عن عملية عسكرية كبيرة في إدلب بشراكة بين الروس والسوريين والايرانيين وحلفائهم.


وفي ظل الصمت الاميركي الملحوظ حيال هذه التحضيرات، كشفت وزارة الدفاع الروسية، امس، أنها رصدت تعزيزات تقوم بها واشنطن لقواتها في الشرق الأوسط استعداداً لِما تخشى موسكو من أن تكون ضربة محتملة توجّهها لقوات النظام السوري.


واشار بيان وزارة الدفاع الروسية الى «أنّ المدمّرة الأميركية «روس» المسلحة بصواريخ موجّهة دخلت البحر المتوسط في 25 آب، وهي مزودة بما قدْرُه 28 صاروخاً من طراز «توماهوك» قادرة على ضرب أي هدف في سوريا.


ويأتي وصول هذه المدمّرة في أعقاب ما أعلنه الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع عن وصول المدمّرة «يو إس إس سوليفان» التابعة للبحرية الأميركية المزوّدة بـ56 صاروخ كروز الى الخليج، فيما تستعد قاذفات القنابل الاستراتيجية «بي 1 بي» للتحرّك من القاعدة الأميركية في قطر لضرب أهداف في سوريا.


وقال مصدر ديبلوماسي روسي لـ«الجمهورية»: انّ موسكو تنظر بقلق بالغ الى ما يحضّر له الاميركيون تجاه سوريا، وهي تملك معلومات اكيدة عن محاولة اميركية بالشراكة مع جهات غربية (ملمّحاً الى بريطانيا بالدرجة الاولى وكذلك الى فرنسا) لافتعال ذريعة لضربة عسكرية على خلفية هجوم كيميائي في إدلب. ومعلوماتنا الاكيدة انه تم إرسال مواد كيميائية الى الارهابيين. واشار المصدر الى انّ هذه الضربة تهدف الى نسف كل الجهود الرامية الى إيجاد تسوية للأزمة السورية.


وعمّا اذا كانت لهذه الضربة تأثيرات جذرية في الميدان السوري، لفت الى انّ تزامن هذه التطورات مع الجهود الرامية الى إنهاء الارهاب وخصوصاً في ادلب، لن يؤثر ابداً على مجريات الامور، والارهابيون سيخرجون حتماً من ادلب، ولن يكون ذلك بعد وقت طويل.

لبنان ساحة تأثر

الّا انّ مرجعاً سياسياً كبيراً عَبّر لـ«الجمهورية» عن قلقه من الاندفاعة التصعيدية الاميركية الاخيرة في سوريا، اذ انّ لبنان وكما هو معلوم تاريخياً هو ساحة تأثر مباشر بما يجري من حوله. وقال: واضح انّ الاميركيين لن يسمحوا بانقلاب الوضع في سوريا لغير مصلحتهم، والروس يشدون في اتجاه الحسم لمصلحتهم. الطرفان يحشدان، والوضع خطير ومفتوح على شتى الاحتمالات. وهذه الصورة الخطيرة في المنطقة، والتي لا اعتقد انّ لبنان سيبقى في منأى عن التأثر بها اذا ما انحدرت الامور الى الأسوا، توجب الحد الأعلى من التحصين الداخلي، وأول خطوة الى ذلك تكمن في تشكيل حكومة، وهذا مع الأسف لا يبدو قريب المنال.

تحضيرات إسرائيلية!

بالتوازي مع هذه التطورات، تبرز في الجانب الاسرائيلي خطوات وصفت بـ«الحربية»، برزت اخطر تجلياتها في ما كشف في الايام الاخيرة عن مناورات عسكرية اسرائيلية تحاكي هجوماً للجيش الاسرائيلي على قرى لبنانية.


ونقلت وسائل اعلام اسرائيلية عن احد الجنرالات الاسرائيليين قوله: «علينا الاستعداد للحرب مع «حزب الله»، وكشفت «انّ الجيش بنى قرى تدريبية مشابهة بشكلها وتضاريسها لقرى لبنانية جنوبية، تتواجد فيها مراكز وعناصر من «حزب الله».


وبحسب الاعلام الاسرائيلي، فإنّ نماذج هذه القرى تحتوي على مبان وبيوت قروية مؤلفة من 3 طوابق، بالإضافة إلى الأسواق والمساجد. هذا عدا الأنفاق والمغاور السرية الموجودة في تضاريس تلك المنطقة. وان الجيش الإسرائيلي أطلق تسمية خاصة على هذه القرى المصطنعة وسمّاها بـ«قرى حزب الله» في منطقة الجولان. وانّ الجدوى الأساسية من هذه النماذج هي للقيام بتدريبات خاصة للجيش الإسرائيلي في هذه المناطق المشابهة لتضاريس وبيئة الحزب اللبناني، للرفع من قدرات الجنود القتالية في أي حرب مقبلة. وبحسب الجنرال الاسرائيلي بن بول فإنّ «التدريب في قرى «حزب الله» سيعطي الجيش أفضلية معرفة أرض المعركة، لأنها مطابقة تماماً لِما سيواجهونه في الحرب معه مستقبلاً».


وأعقب التطور الاسرائيلي هذا، إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان في تغريدة امس الاثنين، أنّ إسرائيل ستمتلك صواريخ دقيقة، يمكنها الوصول إلى أي مكان في الشرق الأوسط. واللافت في هذا السياق مسارعة ليبرمان، وبعد دقائق قليلة من نشره التغريدة، الى شطب الشق الاخير منها الذي تضمّن عبارة «يمكنها الوصول إلى أي نقطة في الشرق الأوسط».

«حزب الله»

وسألت «الجمهورية» مصادر قيادية في «حزب الله» حول مخاطر هذه الخطوة الاسرائيلية، فأشارت الى انّ هذا الامر ليس بالجديد، اسرائيل أجرت منذ العام 2006 عشرات المناورات، والاعلام الاسرائيلي كشف عجزها عن حماية جبهتها الداخلية وعدم قدرتها على الانتصار في اي حرب على «حزب الله». وفي مطلق الاحوال، المقاومة على جهوزية تامة لمواجهة اي احتمال، وكما سبق وقال الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله إنّ المقاومة أقوى من اي وقت، وتملك من المفاجآت ما يجعلها تغيّر مسار اي حرب.

الحكومة... الى الوراء

حكومياً، دبّ بعض الانتعاش في الحركة السياسية الداخلية، لكن من دون ان يبرز خلالها ما يؤشر الى نقلة نوعية في مسار الاتصالات الرامية الى تأليف الحكومة، بل انّ الاجواء ما زالت تسير في اتجاه معاكس الى الوراء على حد ما قال مرجع كبير لـ«الجمهورية».


وبينما كان رئيس الجمهورية يدعو من بعبدا، الرئيس المكلف سعد الحريري الى ان يأخذ المبادرة ويؤلّف الحكومة، كان النائب السابق وليد جنبلاط يحطّ في عين التينة، نافياً وجود عقدة درزية، وداعياً الى «الخروج من مأزق الحكومة، من اجل اخراج البلد من المأزق». فيما كان الحريري على خط التواصل نهاراً مع «القوات اللبنانية» عبر الوزير ملحم الرياشي، ومساء مع رئيس مجلس النواب نبيه بري عبر الوزير علي حسن خليل. من دون ان يسجل اي تواصل بين بعبدا وبيت الوسط.


وبالتزامن، كان «حزب الله» يواصل الحديث عن وجود جهات تحاول إضعاف العهد، على ما جاء على لسان الشيخ نبيل قاووق، الذي اشار الى انّ «المتهم بعرقلة مسار تشكيل الحكومة هي الجهة المستفيدة من إرباك عهد رئيس الجمهورية وإضعافه. والذين زرعوا العقد والعقبات أمام تحرير الجرود بالأمس، هم اليوم يزرعون العقد والتعقيدات والمشاكل أمام تشكيل حكومة لبنان».

نصائح

وكشف مصدر وزاري لـ«الجمهورية» انّ عددا من الديبلوماسيين العرب والاجانب نقلوا الى المسؤولين اللبنانيين نصائح للتعجيل في بناء سلطته التنفيذية، لمواكبة الاستحقاقات الداهمة. لأنّ بقاء الوضع على ما هو عليه قد تترتّب عليه عواقب من شأنها الاضرار بلبنان، الذي يشكو من وضع اقتصادي غير سليم.


واشار المصدر الى أنّ آخر هذه النصائح وردت بالأمس على لسان الرئيس السويسري، وقبلها وردت نصائح مباشرة من باريس ولندن وبرلين وموسكو، تضاف الى ما عبّر عنه نائب وزير الدفاع الاميركي روبرت كاريم خلال زيارته الاخيرة الى بيروت، من انّ بلاده تأمل في ان يتمكن اللبنانيون من تشكيل حكومتهم، مع التشديد على انّ الاولوية الاميركية كانت وما زالت تتمحور حول الحفاظ على الامن والاستقرار في لبنان، ودعم مؤسساته الشرعية وفي مقدمها الجيش اللبناني.

الرئيس السويسري

في هذه الاجواء، حلّ الرئيس السويسري ضيفاً على لبنان والتقى الرؤساء الثلاثة، وبحسب مصادر مواكبة لزيارة الرئيس السويسري الان بيرسيه، فإنّ المحادثات التي اجراها مع رئيس الجمهورية كانت بناءة، وكان حريصاً على تأكيد وقوف بلاده مع لبنان في كل الظروف، والتشديد على القواسم المشتركة بين البلدين، لافتاً الى انها تحتاج الى بلورة وترجمة عملية من خلال التعاون في مختلف المجالات.


وشكل ملف النازحين نقطة بحث اساسية بين عون وضيفه السويسري، فقدم رئيس الجمهورية شرحاً لانعكاسات هذا الملف على البنى التحتية والاقتصاد والتربية، مؤكداً انه لم يكن سهلاً على لبنان تحمّل ما قد تحمّله. وقال: لبنان يدعم المبادرة الروسية اعادة النازحين، ونأمل ان تنجح في تذليل العقبات والصعوبات. وشدد عون على عدم جواز ربط عودة النازحين بالحل السياسي في سوريا، لأنّ المسألة قد تتأخر بسبب كثافة الأطراف المشاركة فيها. وامّا الرئيس السويسري فأكد على اهمية ضمان عودة آمنة للنازحين، إذ انّ اي نجاح لعملية العودة يتطلب استقراراً في سوريا.


وبحسب المعلومات، فإنّ الرئيس السويسري أشار الى أنه يتابع السياسة اللبنانية، متوقفاً عند فكرة النأي بالنفس، فقدّم رئيس الجمهورية شرحاً لهذه النقطة، مؤكدا على الالتزام بهذا الأمر، إنما الاساس هو تقديم المصلحة اللبنانية على اي مصلحة اخرى.

عون

وقال الرئيس عون بعد اللقاء مع الرئيس السويسري انه «تطرّق الى أهمية الانتخابات النيابية كونها تَمّت للمرة الاولى على أساس النسبية، وأطلع الرئيس السويسري على انّ العمل ينصَبّ على تشكيل حكومة جديدة على اساس معايير تعكس صحة التمثيل الذي أرسَته نتائج الانتخابات.


ورداً على سؤال عن الحكومة، أوضح الرئيس عون انّ الرئيس المكلف استمع الى الفرقاء، داعياً إيّاه لأن يأخذ المبادرة ويعمل على تأليف الحكومة، ونحن ننتظره.