نجح رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، في سحب فتيل "الخلاف المذهبي أو الطائفي" بشأن عملية تشكيل الحكومة. طوال الأيام الماضية، ثمة من أراد إضفاء طابع طائفي للخلاف السياسي حيال عملية التشكيل أو شكل الحكومة، وفرض شروط تمسّ بالصلاحيات. يوم خرج رئيس الجمهورية ميشال عون محذّراً بأنه لن يسكت بعد الأول من أيلول، هناك من استشعر خطر الانقسام، ولكن هذه المرّة الانقسام ليس بسيطاً على قاعدة محورين سياسيين، بل يمسّ جوهر الدستور والتركيبة. ما من شأنه أن ينقل البلاد من مرحلة إلى أخرى أكثر سوءاً.
قال جعجع في إطلالته الأخيرة، إن البلد لا يحتمل العودة إلى زمن الانقسام الماروني- السنّي، خصوصاً في ما يتعلّق بمسألة الصلاحيات. وهو بذلك أخذ الموقف على عاتقه في مواجهة هذه الطروحات، بدلاً من أن يفعل الحريري ذلك، كي لا يتخذ الانقسام السياسي طابعاً مذهبياً. فنجح جعجع في رسم جملة عناوين للمرحلة المقبلة، بدلاً من الدخول في تفاصيل الخلافات التكتيكية التي وصلت إلى حد يتجاوز ضرب التسوية الرئاسية إلى تهديد مرتكزات الطائف، لا سيما أن موقف جعجع جاء تزامناً مع مواقف كان يجري تسريبها في أوساط سنية من بينها دار الفتوى، بشأن وجوب دعم الحريري وعدم السماح للمس بصلاحيات رئيس الحكومة، وبالتالي اتساع أفق الخلاف الطائفي.
جاء ذلك ردّاً على الدراسة القانونية التي أعدّها فريق رئيس الجمهورية في مقدّمه وزير العدل سليم جريصاتي، والتي تستند إلى جملة عوامل، تدفع رئيس الحكومة المكلفّ إلى الإسراع في تشكيل حكومته لأن وضع البلد لا يحتمل. مع الإشارة إلى أن هذه الدراسة متدرجة، من نقطتها الأولى التي تبدأ من التركيز على الشق المعنوي والسياسي في وجوب وضع مهل للتأليف بدلاً من ترك المهلة مفتوحة، لأن ذلك ينعكس سلباً على وضع الناس، إلى نقطتها الثالثة التي تنص على توجيه رسالة رئاسية إلى مجلس النواب لعقد جلسة بموجب نظامه الداخلي للبحث في أسباب تأخير التشكيل، واتخاذ الوجهة الملائمة للإسراع في الإنجاز، سواء أكان في حث الرئيس المكلف على التقدّم بصيغة، أم في أي آلية أخرى. وهذا ما فسّره البعض على أنه مزيد من الضغط على الحريري.
إلا أن خطوة جعجع سحبت منطق تطييف الخلاف السياسي، وحصره في ما هو عليه. وهذا ربّما ما أثار حفيظة مسؤولي التيار الوطني الحر الذين شنّوا هجوماً غير مسبوق على رئيس القوات، الذي ذهب إلى حدّ بعيد في صراحته بمخاطبة رئيس الجمهورية، لا سيما في ما يتعلّق بملف التطبيع مع النظام السوري. وفي معرض تعليقه على الاتصال بين الرئيس عون ورئيس النظام السوري بشار الأسد، تمنّى جعجع أن لا يكون صحيحاً، ولكن إذا ما حصل فعلاً، فتوجه بالسؤال إلى عون إذا ما كان قد سأله عن المتهمين بتنفيذ التفجيرات في لبنان، لا سيما تفجيرات طرابلس. يكفي هذا السؤال، إلى جانب تمسّك جعجع بموقف القوات حيال عملية التشكيل وثباته على المطالبة بحصّته، للإشارة بأن ما انكسر بين التيار والقوات لن يكون قابلاً للاصلاح.
بالنسبة إلى القوات فإن الخلاف سياسي، وأساسه هو نظرية الكيل بمكياليين التي يتّبعها التيار الوطني الحر برئاسة الوزير جبران باسيل، الذي يريد للآخرين حصصاً وزارية أقل مما يستحقون، بينما يريد حصد حصة أكبر مما يستحق. حقيقة الإشكال بين القوات والتيار هي أن باسيل فتح معركة رئاسة الجمهورية باكراً، ووفق ما يقول قواتيون: "إذا ما ضمن باسيل رئاسة الجمهورية بعد ولاية عون، فهو سيتنازل عن الشروط التي يفرضها، أما في حال لم يضمن ذلك، فهو يريد التصعيد إلى أقصى الحدود، ويستمر بالتعطيل لضرب القوات، في محاولة لعزلها، والإثبات للمسيحيين أن التيار هو طريقهم إلى الوجود وإلى الثبات ودخول مؤسسات الدولة". وهذا ما يدفع القوات إلى التشدد أكثر ورفض التنازل، لأن أي تنازل من قبلها سيعني أنها كُسرت. جعجع أنقذ الحريري من مسألة تطييف الخلاف، وهو يتلقى الهجوم العوني على خلفية هذا الموقف، لأن التيار لا يريد الدخول في مواجهة مع الحريري بل يريد حصرها في القوات ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، لحشر الحريري معهما أكثر.