كثيرة هي الأسئلة التي تُطرح حول تعاطي “تيار المستقبل” مع طرابلس، خصوصا أن المدينة التي أعطت “التيار الأزرق” ما لم تعطه لأي تيار سياسي آخر، لم تحصل منه أقله منذ العام 2005 وحتى اليوم إلا على وعود بقيت حبرا على ورق ولم ينفذ منها شيئا.
بات معروفا للقاصي والداني، أن “المستقبل” عندما يكون في السلطة يتجاهل طرابلس بمشاريعها وتطلعاتها ومطالبها، وعندما يكون خارجها يستخدمها في مشاريعه ومغامراته السياسية، وليست التوترات الأمنية وجولات العنف العبثية التي شهدتها المدينة منذ العام 2008 وحتى العام 2014 ببعيدة..
اللافت أنه كلما زار الرئيس سعد الحريري طرابلس يعتذر من أهلها عن التقصير بحقهم وعن إبتعاده القسري عنهم، وقد كان ذلك واضحا خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، حيث أطلق وعودا بالجملة بعضها ذهب أدراج الرياح، وبعضها ما يزال أبناء طرابلس ينتظرون تنفيذها، أما الدور الذي يلعبه الأمين العام أحمد الحريري في زياراته المتكررة فهو التذكير بهذه الوعود كلما نسيها أو حاول أن يتنساها الطرابلسيون.
ربما طوى أبناء طرابلس صفحة التقصير الماضية، وفتح مع “تيار المستقبل” صفحة جديدة بعد الانتخابات النيابية الأخيرة، لكن يبدو أن السلوك واحد لم يتغير، حيث أن المستقبل لم يكتف بتجاهل المدينة وحرمانها هذه المرة، وإنما شارك في تعطيل كثير من المشاريع، ولاذ بالصمت أمام إمعان الدولة عموما في إهمال العاصمة الثانية التي ربما كانت تعرضت لانهيار كامل، لولا المبادرات المستمرة من بعض قيادات المدينة والخدمات التي تقدمها وهي باتت تحل مكان الدولة على الصعد الإجتماعية والإنسانية والصحية والتربوية والانمائية.
في طرابلس مشاريع لا تنتهي وتستمر لسنوات طويلة، وإن إنتهت تكون مشوهة أو كارثية لعدم مراعاتها دفاتر الشروط، فيما طرقات المدينة تُغتصب، وتفتح مرات عدة ومن دون مبررات أو إنذارات وتعطل مصالح المواطنين، في حين أن أكثرية الشركات المتعهدة، محسوبة على “تيار المستقبل” وتعمل تحت إشراف مجلس الانماء والاعمار الذي من المفترض أن يكون اليد الانمائية للرئيس سعد الحريري وهو المجلس الذي يتعاطى مع طرابلس بفوقية وعنجهية لا مثيل لهما.
كثيرة هي الوقائع التي تضبط “تيار المستقبل” بالجرم المشهود متجاهلا أو عاملا ضد مصلحة طرابلس لجهة:
أولا: شركة “نور الفيحاء” المكتملة الشروط الفنية والقانونية، والقادرة على تغذية المدينة وجوارها بالتيار الكهربائي 24 على 24 ساعة، ما تزال أسيرة أدراج وزارة الطاقة لكيدية سياسية واضحة، من دون أن يحرك الرئيس سعد الحريري ساكنا أقله بالموقف المتضامن، خصوصا أن الرئيس نجيب ميقاتي وضع هذا الأمر في عهدته من على منبر مجلس النواب، وهو اليوم يدعم مهمته في تشكيل الحكومة، في وقت لا يتوانى فيه نواب المستقبل أو حلفاؤه عن إجهاض هذا المشروع الحيوي، وصولا الى تبرير كيدية وزير الطاقة بعدم الافراج عنه.
ثانيا: وزير الصحة يُمعن في تخفيض السقف المالي للمستشفى الاسلامي الخيري موئل الفقراء والمحتاجين في طرابلس وكل الشمال، و”المستقبل” ينأى بنفسه عن التدخل، في وقت أدت فيه أزمة الرئيس الحريري المالية الى إقفال كل المستوصفات العائدة للتيار الأزرق في المدينة، والى إغلاق “حنفية” المساعدات المالية المتعلقة بالخدمات الطبية.
ثالثا: وزير السياحة يحرم طرابلس من مساهمة وزارته في مهرجانات طرابلس الدولية التي تنظمها جمعية “طرابلس حياة”، فيدعم المستقبل توجهاته ويقاطع المهرجانات لخلاف سياسي مع اللواء أشرف ريفي، محاولا بذلك معاقبة المدينة ومنع الفرح عن أهلها الذين إنتفضوا ودعموا هذا المشروع، فكانت مهرجانات طرابلس علامة فارقة في لبنان لهذا الصيف.
رابعا: التيار الوطني الحر يضع يده على شركة كهرباء قاديشا ويجتاحها بالموظفين المحسوبين عليه، فيقف المستقبل متفرجا، لا بل يدخل شريكا للحصول على حصة لبعض أنصاره، وكذلك الأمر بالنسبة لمصفاة طرابلس التي لا تعمل وتعاني من تخمة موظفين يكلفون خزينة الدولة أرقاما خيالية، فيما منشآت معرض رشيد كرامي الدولي تتعرض للانهيار على مرأى ومسمع “المستقبل” والسلطة السياسية ووزارة الاقتصاد.
هذا الواقع المؤلم الذي تعيشه طرابلس، يضع “تيار المستقبل” المسؤول كونه في السلطة، والذي يسعى زعيمه سعد الحريري للعودة إليها بقوة بعد تشكيل الحكومة، أمام حالتين، فإما أنه يعمل ضد مصلحة المدينة، ويحارب قياداتها المحلية بقوة، ويجهض كل مشروع حيوي يتقدمون به لتبقى عنوانا للحرمان وصندوق بريد سياسي وأمني يُستخدم عندما تدعو الحاجة، أو أنه بات عاجزا عن المواجهة وعن حماية أي مشروع في طرابلس لا يتوافق مع مصالح تيارات سياسية أخرى، وفي كلا الحالتين: المصيبة أعظم..