بدأت أزمة تشكيل الحكومة تترجم على شكل مواجهة عنيفة بين ثنائي «تفاهم معراب» الذي لم يبق منه الّا زيارات بروتوكولية الى قصر بعبدا، لا يمكن وضعها في خانة الاتصالات السياسية الجدية، وسوى ذلك بَدا بعد المقابلة الاخيرة للدكتور سمير جعجع أنّ سلسلة الردود المتبادلة، أجهزت على ما تبقّى من المصالحة ومن إمكانية ترميم العلاقة بين «القوات» و«التيار».
في هذا الاطار لا تتردد أوساط «القوات» بوصف الوزير جبران باسيل بأنه مأزوم، بسبب ما أوصل اليه مساعي تشكيل الحكومة من انسداد سببه محاولة قضم تمثيل القوى السياسية، وتعتبر الاوساط أنه لم يسبق ان قام طرف واحد باستدعاء هذا العدد من الخصوم بهذه السرعة القياسية، من كل الاطراف.
وتشير الى انّ باسيل يقود «التيار» نحو مواجهة مع الجميع، بدءاً من «القوات» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» والرئيس سعد الحريري وصولاً الى الرئيس نبيه بري الذي يتخذ مواقف لها مدلولاتها، وهي مواقف تؤكد أنّ الثنائية الشيعية تقف على الحياد في الأزمة الحكومية، ولا تدعم ما يقوم به باسيل، وقد تجلّى ذلك في رفض الاحتكام الى الشارع وفي رفض حكومة الاكثرية، وفي التريّث بشأن إعلان موقف من المهل التي يتم تحديدها للرئيس المكلف، وهي مهل لا ينص عليها الدستور.
وتعتبر الأوساط أنّ أزمة باسيل تكمن في عدم قدرته على شنّ مواجهة مفتوحة مع الرئيس الحريري، وهو يستعيض عن ذلك بشَنّ حملة على «القوات»، واتهامها بالسعي لإضعاف موقع الرئاسة وصلاحياتها، في حين هو يعرف أنّ «القوات» هي الأحرص على هذا الموقع، وانها دفعت الكثير لاتخاذ خطوة الموافقة على انتخاب الرئيس عون وإتمام المصالحة، التي يسهم أداؤه بتهديدها.
وأضافت الاوساط أنّ الدكتور جعجع حين تحدث عن حصة الرئيس الوزارية إنما اراد إزالة هذا الالتباس الذي يدمج قصداً بين كتلة الرئيس وكتلة «التيار» في محاولة لتكبير الحجم الوزاري لـ«التيار» على حساب الآخرين، وسألت: هل يقبل «التيار» أن يكون للرئيس الحريري حصة وزارية تضاف الى حصة تيار المستقبل؟ وتساءلت: ألا يعني الاجماع السني على الاعتراض على المس بصلاحية رئيس الحكومة أنّ هناك طرفاً يعمل خارج سياق الوفاق الوطني وخارج الدستور، ما يهدد بإثارة حساسيات وطنية كنّا بغنى عنها؟
في المقابل ترى أوساط «التيار» الصورة من زاوية مختلفة كلياً، وتصل الى نتيجة واحدة وهي انّ المشكلة مع «القوات» باتت كبيرة. وتشير الاوساط الى أنّ الرئيس الحريري والنائب جنبلاط تراجعا الى خلفية المشهد ليتقدّم الدكتور جعجع ويشنّ مواجهة مع العهد. وسألت: باسم من تشنّ هذه المواجهة ولحساب من؟ وتضيف: اذا كانت لحساب الحصار الذي تحاول احدى دول الخليج فرضه على العهد، فإنّ المردود لن يكون لصالح «القوات»، ولن يؤدي هذا الاسلوب الى فرض حصة مضخّمة لـ«القوات» خصوصاً في ما يتعلق بالحقيبة السيادية التي ستكون من حصة كتلة الـ30 نائباً فيما الحقيبة السيادية الاخرى هي حكماً من حصة رئيس الجمهورية.
ورأت أوساط «التيار» أنّ تصدر «القوات» رأس حربة الهجوم على العهد خصوصاً في موضوع العلاقة بسوريا، لا يؤخّر ولا يقدّم، فمجلس الوزراء بحضور وزراء «القوات» عيّن سفير لبنان في سوريا، والرئيس عون أبرقّ بعد حادثة السويداء للرئيس السوري بشار الاسد معزياً، كما انّ الرئيس عون ومنذ العام 2011 هو على اتصال اسبوعي بالرئيس الاسد، فما الجدوى من الاعتراض على اتصاله الأخير به الذي بحثت فيه قضية عودة اللاجئين؟
وختمت الاوساط بالقول انّ «القوات» تخوض اليوم معركة بالنيابة عن آخرين، لن ينتج عنها الّا المزيد من المساس بالمصالحة».