تظهر السمنة بسرعة باعتبارها واحدة من أكبر التحدّيات التي تواجه صحة الإنسان، ومنذ عام 1980 تضاعف تقريباً عدد الأشخاص الذين يعانون منها. على الأثر، كثرت الوسائل التي تهدف الى تخفيف الوزن، ولعلّ أحدثها هو بوتوكس المعدة. وللتعرّف الى هذا الاجراء الحديث كان لـ«الجمهورية» حديث خاص مع الاختصاصي في أمراض الجهاز الهضمي والتنظير، الدكتور علي شقير الذي استهلّ حديثه قائلاً «يُستخدم البوتوكس بشكل شائع في ايامنا هذه في عيادات التجميل، الّا أنّه لا يقتصر استعماله على ذلك فحسب، بل نجح ايضاً بعلاج مختلف الحالات الطبية، مثل التشنّجات العضلية الناجمة من السكتة الدماغية أو إصابات الحبل الشوكي وصولاً الى انقاص الوزن حيث تُعتبر هذه التقنية جديدة نوعاً ما، وتُستخدم في بعض البلدان كوسيلة لإنقاص الوزن من خلال استخدام المنظار عبر الفم لحقن مادة البوتوكس داخل جدار المعدة».
طريقة الحقن
يعاني الأفراد ذات الوزن الزائد من تأخّر في الإحساس بالشبع، ولا يرسل الجهاز الهضمي لديهم الإشارات العصبية للدماغ بسرعة كافية، وبالتالي لا يشعرون بالشبع بالشكل الطبيعي. ويوضح د. شقير أنه «بالاضافة الى ذلك، تميل المعدة عند هؤلاء الى إفراغ محتوياتها إلى الأمعاء الدقيقة بوتيرة أسرع من الطبيعي، ما يؤدي إلى ارتفاع مستوى السكر في الدم فجأةً، وهذا بدوره يؤدي إلى تراكم الدهون وبالتالي السمنة. أمّا البوتوكس فيعمل من خلال معالجة هذا الخلل (عن طريق منع عمل بعض المواد الكيميائية عند تقاطع الأعصاب والعضلات) في الشعور بالشبع بين الأمعاء ودماغ الأفراد البدناء. ويؤدّي حقن البوتوكس في المعدة الى شلل موقّت للعضلة التي تعمل على نقل الطعام ما يقلّل الانقباضات التي تتسبّب في دفع الطعام من المعدة إلى الأمعاء.
وبالتالي فإنّ بقاء الطعام في المعدة لفترة أطول يساعد المريض على الشعور بالشبع لفترة طويلة، ويجعله يتناول كميات أقل من الطعام ويفقد من وزنه. وفي التفاصيل، يستخدم الأطباء المنظار الذي يسمح لهم بحقن البوتوكس في عضلات المعدة من خلال ثقوب متعدّدة (حقن موضعية) حيث تُحقن أجزاء مختلفة من المعدة بكميات من تلك المادة بعد التأكد من عدم وجود أسباب مانعة. ويحتاج هذا الإجراء الى تخدير خفيف تماماً كما يحدث عند اجراء أيّ نوع من التنظير من خلال الفم بشكل عام، وهو بحاجة من 30 الى 45 دقيقة غالباً».
نتائج مرضية؟
يستمرّ تأثير حقن البوتوكس من 3 إلى 6 أشهر لذلك يحتاج المريض لإعادة هذا الإجراء مرتين أو ثلاث مرات في السنة من أجل الحصول على نتيجة مرضية. ولكن ماذا عن فعاليّته؟ بحسب د. شقير «أظهرت الدراسات الأوّلية المنشورة حول هذا الموضوع التي أجراها بعض الأطباء أنّ 70 في المئة من المرضى قد فقدوا بشكل متوسط بين 17 في المئة الى 28 في المئة من وزنهم الزائد بعد سنة من المتابعة. غير أنّ هذه النتائج غير ثابتة بشكل قاطع إذ إنه لم يجد بعض الباحثين بعد مراجعة الأبحاث، دليلاً على أنّ حقن البوتوكس في المعدة لدى البدناء تؤدّي إلى فقدان الوزن على المدى الطويل. وقد أفادت دراسات استعرضها الباحثون أنّ معظم المرضى قد استعادوا الوزن الذي فقدوه، أو وزنوا أكثر ممّا كانوا عليه قبل الإجراء، أو كان لديهم الحدّ الأدنى من فقدان الوزن الكلي».
آثار جانبية
يُعتبر البوتوكس مثالياً للأشخاص الذين يهدفون الى خسارة 10 الى 15 كيلوغراماً من وزنهم، أو للذين هم بحاجة لإنقاص وزنهم لأسباب طبية دون أن يملكوا خيارات اخرى، أو كإجراء أوّلي لإنقاص الوزن والحدّ من المخاطر المحدقة بالمريض قبل الاتّجاه نحو عمليات أو خيارات اخرى أكثر فاعلية. ولكن ماذا عن المضاعفات؟ يقول د. شقير إنه «يمكن أن تسبّب حقنُ البوتوكس في المعدة آثاراً جانبية ضارة، مثل الألم والتورّم في منطقة الحقن والغثيان وعسر الهضم. كما يمكن أن تسبّب تأثيرات جانبية خطيرة في بعض الحالات القليلة، بما في ذلك ضعف العضلات، ضعف الرؤية وصعوبة التنفّس. لذلك ولضمان أنّ الإجراء آمن، يجب التحكّم في كمية البوتوكس التي يتمّ حقنُها في المعدة لإنقاص الوزن بعناية، كما يجب أن يحدّد موقع الحقن يدقة داخل المعدة».
بين البوتوكس وبالون المعدة
تكثر الوسائل التي يمكن أن يلجأ اليها المريض بهدف التخفيف من وزنه، فهل تغني حقن البوتوكس في المعدة عن أيٍّ من هذه العمليات؟ يشير د. شقير الى أنّه «إذا أردنا مقارنة حقن البوتوكس مع بالون المعدة نجد بعض أوجه الشبه بين الإجرائين: فكلاهما يتمّ من خلال المنظار، وكلاهما يعمل على إنقاص الوزن من خلال زيادة الشعور بالشبع وتقليل كمية الطعام خلال اليوم، وكلاهما له تأثير محدود زمنياً (يراوح بين 6 الى 12 شهراً)، كما أنّ الوزن المتوقع خسارته تقريباً متساوٍ في الطريقتين. إلّا أنّ لبالون المعدة عوارض جانبية ومخاطر أقل مقارنةً بالبوتوكس، كما أنّ التجارب على بالون المعدة موثوقة ودقيقة أكثر. ويحذّر أطباء آخرون من أنّ البوتوكس لفقدان الوزن هو إجراء خارج عن الموثق طبّياً (off-label) وأنّ المخاطر لم يتم فهمُها بالكامل بعد. لذلك قد يكون لبالون المعدة بعض الأفضلية في بعض الحالات».
إرشادات
إرشادات طبّية مهمة قبل وبعد إجراء حقن البوتوكس في المعدة، ما هي حسب د. شقير الذي يختم حديثه ناصحاً بـ»ضرورة مرافقة هذا الإجراء بالتعديلات الغذائية ونمط حياة صحّي لنتائج أفضل في إنقاص الوزن والحفاظ على النتيجة. ومن المستحسن ايضاً التشاور مع اختصاصي تغذية والشروع في برنامج تمارين قبل إجراء البوتوكس. ويؤكّد بعض الأطباء أنّ الفوائد الموقتة للبوتوكس ليست علاجاً فعّالاً للسمنة، في حين يمكن أن يكون بداية جيدة لبرنامج إنقاص الوزن. كما ننصح المرضى أخذ رأي طبيب مختصّ في هذا المجال من أجل توجيههم نحو الخيارات الأنسب والأكثر فاعلية لهم، تبعاً لحالتهم الجسدية والصحية أو المرضية».