من #حادث_سير في ليلة عيد السيدة إلى 3 أشهر في الغيبوبة قبل ان تستيقظ جوستين ابنة الـ 16 عاماً وتبدأ رحلتها في الجراحات والعلاجات الطويلة لأكثر من 4 سنوات وما زالت مستمرة. لم تكن تعرف ان حياتها لن تعود كما كانت سابقاً، وان عليها ان تختبر آلاماً قاسية وصعبة نتيجة الحادث، وبالرغم من خسارتها الجزئية لحركة يدها ورجلها لم تفارق الضحكة وجه جوستين التي تردد دائما "إذا أردتُ فعلتُ".
لكل شخص قدره الخاص به، ترسمه الحياة ونغوص في مساراته الطويلة، نُغير بعضاً منه ونعجز عن البعض الآخر. أحياناً تضعنا الحياة في مواجهة مع الألم، مع المرض، مع الموت... اختبارات كثيرة نتوقف عندها وأخرى نجتازها وفي القلب حسرة صامتة وانتصار مشرف. يمكن القول إن جوستين من بين هؤلاء الأشخاص الذين لا يعرفون الاستسلام، يصرّون على خوض المعركة يومياً حتى النهاية... وينجحون!
قصة ملهمة ومعبّرة، 4 سنوات من النضال المستمر، لم تيأس، لم تتعب، تريد استعادة حياتها والوقوف مجدداً على قدميها، وقد نجحت فعلاً بالقيام بخطواتها الأولى. التقيتُ بجوستين وكانت كما توقعت دائمة الإبتسام والأمل. معاً استرجعنا محطة مفصلية في حياتها، وكيف تخوض معركتها مع كل هذه الأضرار الجسدية التي تكبدتها في تلك الليلة القاسية بعد ان شُخصت حالتها بـtraumatic Brain Injury .
رحلة عذاب طويلة
3 أشهر في الغيبوبة قبل أن تستيقظ جوستين من هذا الجمود، تروي ما جرى معها قائلة: "استرجعتُ وعيي بعد 3 أشهر من الغيبوبة، استلزمني 3 أشهر أخرى لتستقر حالتي الصحية بعد الجراحات التي أجريتها لعيني اليسرى ولقدمي وزرع Pompe في المعدة التي تعمل على الاسترخاء والتخفيف من التشنج الناتج من الإصابة من خلال مادة تجري في انحاء جسمي. كنتُ أستعيد قواي شيئاً فشيئاً، لكن هذا لا يلغي فصول الآلام التي رافقتني خلال فترة استشفائي. قد يصدم البعض عندما يعرف أن اصعب ما واجهته لم تكن الجراحات وإنما البوتوكس، هذه الإبر التي كانت تخترق جسدي وتؤلمني، والتي كانت ضرورية لإزالة التشنج".
تجزم عائلة جوستين انها لم ترَ ابنتها يوماً حزينة او يائسة بعد الحادث، "دائمة الابتسام" هكذا يصفونها، وعوضّ مدّها بالمعنويات هي التي تعطينا الدفع للاستمرار. تملك قوة رهيبة في متابعة حياتها واسترجاع قوتها الجسدية، لديها طاقة ايجابية مُعدية كأننا في حلقة مغلقة متكاملة ومتماسكة فيما بيننا".
كانت عائلة جوستين في حالة انتظار. وأخيراً استفاقت جوستين لكن ذاكرتها تأثرت، وكذلك قدرتها على المشي والحركة والنطق، كأنها عادت إلى مرحلة الطفولة. عليها ان تستعيد قدرتها على الكلام واسترجاع ذاكرتها وقوتها لا سيما من الجهة اليسرى في جسمها.
تحويل الوجع الى إيجابية
لم تُخفِ عائلة جوستين شيئاً عن ابنتها، كان الحوار والصراحة ركيزة اساسية للمضي في هذا المشوار الطويل، شكّل الحادث صفعة مفاجئة لم يتوقعها احد إلا انها زادت من محبة والتعلق بعضهم البعض. أصبح الكل منخرطاً في هذه المحنة الصحية التي ألمت بهم جميعاً بطريقة او بأخرى. تعترف فاليري أبو شقرا، شقيقة جوستين ان مشاركتها "في مسابقة ملكة جمال لبنان كان من أجل جوستين، لم أفكر يوماً بالمشاركة لكننا كنا بحاجة الى تغيير الأجواء في المنزل وتحويل الـوجع trauma الى إيجابية، وصعدت على تلك المنصة من أجل جوستين لأني كنت اعرف جيداً انها كانت تحبني ان اكون موجودة هناك، شاركت في المسابقة لأرى الفرحة على وجوههم بعد كل ما واجهناه من ألم ووجع".
الصدمة الكبيرة جعلت العائلة بأكملها تعرف قيمة الأشياء أكثر، العائلة محظوظة لأنها متماسكة ويد واحدة، تمكنت من إدارة الأزمة والمتابعة الحثيثة لها. "يلي ما عندو فرد قوي بالعائلة شو بيعمل" سؤال طرحته فاليري اثناء حديثنا، وهذا ما تشدد عليه جوستين من خلال قصتها "كتير مهم تكون العائلة حدك ومعك وهيدا شي ساعدني لما استسلم".
ما زال المشوار طويلاً
من المستشفى الى مركز التأهيل، انتقلت جوستين وأملها الوحيد استرجاع حركتها الطبيعية. تتحدث لـ "النهار" عن تلك المرحلة قائلة: "بقيت في مركز قرطباوي حوالى 8 أشهر (وما زالت حتى اليوم تتعالج بصورة دورية في المركز)، البداية كانت صعبة ومؤلمة، كنت ابكي في كل مرة عندما يحين موعد التمارين، كنت اتألم كثيراً ولكن سرعان ما بدأ جسمي يتأقلم معها ويتحسن".
لا تخفي جوستين خيبتها من عدم توافر علاجلات متطورة لحالتها كما هي الحال في الخارج، ما دفعها الى السفر أخيراً الى بلجيكا للتركيز فقط على هدف واحد "قدرة المشي" والبحث عن الاستقلالية. توضح وجهة نظرها بالقول "صحيح أن قطاع الاستشفاء قطع شوطاً مهماً في لبنان، وان الطبابة جيدة وتواكب التطور والحداثة لكن يلزمنا بعد دعمه لتتمكن المراكز التأهيلية من تحديث معداتها وعلاجاتها بما يتلاءم مع الحالات المشابهة لحالتي".
أكثر من رسالة
تفكر جوستين بالكلمات قبل ان تقولها، تريد ان توصل فكرتها بطريقة صحيحة ودون لغط، هي ممتنة للطبابة هنا لكنها تتمنى ان تشهد ما شهدته في بلجيكا من حداثة في آلات الطبية الخاصة بحالتها والحالات الدقيقة والصعبة. لقد خضعت لجلسات كهربائية لتنشيط الذاكرة والوظائف الدماغية ( neuro – modulation) وتعزيز قدرتها على المشي من جديد. وبابتسامتها التي لم تفارق محياها طوال حديثنا تصف هذا الشعور "لقد نجحتُ في خطواتي الأولى دون الكرسي، ما في شي بيوقف بوجي، ورح كمّل للآخر".
ما جرى مع جوستين دفع بشقيقتها فاليري الى تأسيس جمعية Just Care لمساعدة العائلات التي تواجه ظرفاً معيناً وتحتاج الى المساعدة المعنوية والصحية والطبية.
أرادت جوستين من خلال قصتها إيصال أكثر من رسالة، وفق ما تقول: "اريد ان اقول الى كل شخص مريض لا تستسلم ولا تدع شيئاً يقف في وجهك. اذا أردت تحقيق شيء فأنت ستنجح بذلك. كما تتمنى دعم القطاع الصحي أكثر والعمل على تطوير العلاجات الفيزيائية ومراكز التأهيل لمساعدة المرضى الذين فقدوا قدرتهم الجسدية، إضافة الى تطوير الأمكنة وتسهيل التنقل لتمكين الانخراط للأشخاص الذين هم على الكرسي المتحرك".