في ظل زحمة الفتاوى التي تصدر من أشخاصٍ يدّعون العلم والمعرفة والإحاطة والإطّلاع على أوضاع الأمّة ما ينفعها وما يضرّها, ممّا شكّل إسهالا في كثرة الأحكام التحريضيّة والإنتقامية وصولا إلى الخطوط الحمراء وإراقة الدماء وإزهاق النفوس والأرواح، وطبعاً بدون وجه حقٍّ على الإطلاق. فبدلا من أن تكون الفتاوى لخدمة الإنسان وإرشاده وإصلاحه وتسيير أموره وحلّ مشاكله ورفع الظلم والضيم عنه وتعزيز مكانته في المجتمع تأتي هذه الفتاوى لتقضي على آماله وأعماله لا بل على كل حياته حتّى القضاء عليه وإعدامه والتمثيل به غير مكترثين لحرمة الأموات فضلا عن الأحياء حيث جاء في الحديث :" إيّاكم والمثلى، ولو بالكلب العقور" حيث لا شقفة ولا رحمة ولا كرامة وحرمة للميّت عندهم، مما يهدّد منظومة القيم والموازين الأخلاقية والإنسانية والدينية وتجاوزًا لكل حقوق الإنسان حيّا كان أو ميّتًا.
إن الشريعة أكّدت على الإحتياط في خصوص الأرواح والأموال والأعراض، أين هو هذا الإحتياط ؟! هل أصبحنا في دنيا تحكمها وحوشٌ بشرية كاسرة ؟! نترحّم فيها على حكم الغاب أم أن حكم الغاب أرحم لا بل أعدل من حكم الغاب البشري ؟
إن الإنسان مهما فعل من خطأٍ وارتكب من معصيةٍ لا تجوز معاقبته بالذبح والتمثيل والتنكيل به، وهو عملٌ لا تقرّه ولا تجيزه جميع الأديان والشرائع السماويّة. ولعلّ السياسة على قذارتها وبشاعتها واختلاف أساليبها باتت أفضل وأحسن من فتاوى الذبح والقتل والدمار. وأستطيع القول أن "وكالة الإستخبارات الدينية والفتوائية" هي التي مكّنت وشكّلت وأعطت غطاءًا لوكالة الإستخبارات الدولية والإقليمية بتنفيذ إجرامها على شعوبنا الإسلامية من خلال تغلّغلها في الجسم الديني والمؤسسة الدينية بشكلٍ عام والتي شكّلت أرضًا خصبةً وقابليةَ التأقلم مع الفكر الديني التكفير المتطرّف، الذي لا يرى أهمّية لحياة الآخرين الذين يخالفونه الرأي والفكر والعقيدة.
هل بات أصحاب الفتاوى الحمراء همُّهم الوحيد كيف يصنعون الموت ويتفنّنون في إظهاره وإخراجه في الصورة التي يريدون؟! إذا كان هذا هو فكرهم ومفهموهم للدين والشريعة، فليقولوا لنا أين هو مكان ومحل (الرحمة) في هذه الأمّة التي أُرسل نبيّنا محمد (ص) من أجلها إذ قال تعالى في كتابه العزيز الحكيم " إنّا أرسلناك رحمة للعالمين".
بالله عليكم قولوا لنا هل أنتم دُعاة لهذه الأُمّة أم " نُعاةٌ " لها، بالله عليك هل أنتَ داع لهذه الأمة أم ناع لها. فرقٌ كبير بين الدعوة للرحمة والدعوة للنقمة والضلال والدمار والموت، عودوا إلى رشدكم وتمثّلوا قول نبيّنا(ص) حيث قال:" مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضوٌ تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحُمّى".

الشيخ محمد حسني حجازي