لانظار تتجه إلى المفاعيل المرتقبة للرسالة التي وجهها رئيس الجمهورية ميشال عون، ومفادها أنه لن ينتظر تشكيل الحكومة بعد الأول من أيلول. وتؤكد بعض المعلومات أن عون قد جمع قبل أيام مستشاريه السياسيين والقانونيين ومعظم كوادر فريق عمله للبحث عما يمكن فعله لأجل إنقاذ العهد ومنعه من الدخول في نفق تعطيلي طويل. ولكن المعطيات تفيد بأنه حتى الآن لا رؤية واضحة لدى فريق الرئيس بشأن الخطوة التي يمكن الإقدام عليها، وإسباغها صفة قانونية قادرة على إحداث تغيير حقيقي في مسار الأمور.
تؤكد مصادر متابعة أن لا وجود لأي خيارات دستورية، بينما الاتجاه قد يكون لاستمرار التصعيد السياسي، والضغط على الرئيس المكلّف سعد الحريري لحثّه على التنازل، أو لحثّه على تقديم مسودة وزارية. ما يعتبره فريق رئيس الحكومة خطوة لا تبشر بالخير، لأن أي تصعيد في السياسة لن يصب في مصلحة أحد وسيؤدي إلى تعميق الأزمة. في هذه التقديرات حتى الآن، كل ما سيقوم به رئيس الجمهورية، هو من عناصر الضغط، لاستعادة الحريري من حضن حلفائه، ولإنزاله عن مواقفه التصعيدية، أو لإحراجه وإخراجه، ولكن خيار الاعتذار لا يزال غير وارد لدى الرئيس المكلّف.
لو أن ثمة فكرة واضحة لدى الرئيس عما يمكن اتخاذه من خطوات، لكانت أصبحت معروفة ومعممة، وفق المصادر، التي تعتبر أن ما يجري هو نوع من تبادل للأفكار، ووضع احتمالات متعددة لذلك.و من بين تلك الاحتمالات توجيه رسالة إلى مجلس النواب، لحث الحريري على الشروع في التشكيل، أو الضغط على مجلس النواب بناء على توافق سياسي بين مكونات الأكثرية النيابية لعقد جلسة تشاور في شأن عرقلة تشكيل الحكومة، وتحويلها إلى جلسة لإسقاط تكليف الحريري بتصويت 65 نائباً، أو بتوقيع عريضة نيابية لهذه الغاية. لكن هذا النوع من الخيارات يعني إدخال البلد في أزمة سياسية كبرى، لن تخلو من التصعيد المذهبي بين السنّة والمسيحيين، وستضع لبنان على خطّ التعقيدات الحاصلة في دول المنطقة.
في المقابل، هناك من يتوقع أحد السيناريوهات الأكثر سوءاً، ولكنه قد يكون قابلاً للتطبيق من الناحية القانونية والدستورية، لكنه في السياسة يوضع في عداد الإنقلاب الكبير على الحريري. ويقوم هذا السيناريو على فكرة مطالبة رئيس الجمهورية الرئيس المكلف بتسليم مسودة حكومية كما يراها مناسبة، وبعد التشاور وإطلاق قطار جديد للمفاوضات، بحيث يكون الرئيس قد استخدم تحذيره بعدم الصمت بعد أيلول، للحث على انجاز التشكيل، فيقدم الحريري مسوّدته، ويوافق عليها رئيس الجمهورية، وبعد ذهابها إلى المجلس النيابي لا تنال الثقة، وبالتالي يسقط تكليف الحريري ويصبح البلد بحاجة إلى إجراء استشارات نيابية جديدة، وتكليف رئيس جديد لرئاسة الحكومة. لكن لهذا تداعيات كبرى سياسياً في الداخل والخارج، وتستبعد المصادر إمكانية حصوله.
ولكن من يروج لهذه الفكرة، يضعها في إطار الإنقلاب الضروري، ردّاً على الإنقلاب الذي نفّذه الحريري على التسوية بتبني خيارات رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. بالتالي يجوز الإنقلاب عليه لحماية العهد، تماماً كما ينسجم ذلك مع منطق الإنقلاب اللبناني على خيارات المملكة العربية السعودية التي يصفها العهد بأنها إنقلاب على العهد في مسألة استقالة الحريري من الرياض.
الأمور حتّى الآن تنذر بالتصعيد، بينما هناك من راهن على بروز بوادر تسوية جديدة غير واضحة المعالم بعد، ستقوم على تدخلات متعددة من قوى إقليمية ودولية، لأجل سحب فتيل التصعيد، والحفاظ على التسوية الرئاسية، لكن حينها قد يتم تدفيع ثمن ذلك لقوى محلية كحزبي القوات والاشتراكي، إذا ما نجحت الضغوط على الحريري. المواجهة بالنسبة إلى رئيس الجمهورية تنطلق من معركة وجودية للعهد، فإذا ما حلّ العام 2019 بدون تشكيل حكومة، يعني أن العهد دخل سنته الثالثة وهو في حالة تعطيل وعرقلة. ولذلك يجب توقّع أي شيء، من الرئيس ميشال عون.