أن يتمنّى رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، من إجازته في الخارج، أن تتشكل حكومة وحدة وطنية تباركاً بمناسبة عيد الأضحى، فهذا يعني أن الحكومة أصبحت في مصاف الآمال التي تحتاج إلى معجزة للتحقق. كل التقديرات تشير إلى أن العرقلة تزداد. وليس التصعيد الداخلي سوى انعكاس للتصعيد الخارجي. هذا ما تجدد مؤخراً على ضفة القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر. انضمام الوزير جبران باسيل إلى صفوف الردّ على رفض الحريري تطبيع العلاقات مع النظام السوري، يشير إلى مدى تعقيد الأمور. فالحريري ومحيطه يعتبران أن باسيل لا يمثّل الموقف اللبناني، بينما وزير الخارجية يعتبر العكس.
هذه المعادلة الواضحة، تدفع باسيل إلى الهجوم أكثر على القوات اللبنانية بالتحديد، وذلك لهدفين، الأول استدراج الحريري إليه وإبعاده عن القوات، والإثبات في الشارع المسيحي أن القوات لم تحقق مطالبها حكومياً. بالتالي، تكريس باسيل التيار كقوة مسيحية وحيدة قادرة على فرض شروطها وتحقيق رغباتها. وهذه الغاية، دفعت باسيل إلى التصعيد بشأن عملية تشكيل الحكومة، من خلال تسريب طرح جديد يقوم على مبدأ استبعاد القوات، والعودة إلى نغمة تشكيل حكومة بدونها، على أن يتم توزيع وزرائها الأربعة، على تيار المستقبل والاشتراكي والكتائب إذا ما أراد. بحيث يمنح المستقبل 7 وزارات، والكتائب وزارة، والاشتراكي 3، مقابل اعطاء وزيرين لكتلة ارسلان.
الأكيد، أن هذه الصيغة لن تمرّ كما غيرها من الصيغ، خصوصاً أن الحريري يصرّ على موقفه بتشكيل حكومة وحدة وطنية، وهو غير مستعد للتخلّي عن القوات والاشتراكي، لا سيما في ظل المرحلة التصعيدية المرتقبة. ووسط هذه الأجواء الداخلية المعقدّة وانسداد الأفق، تجد ثلاثية الاشتراكي والمستقبل والقوات صدى داعماً لمواقفها من جانب المجتمع الدولي، إذ تؤكد مصادر متابعة أن جملة مواقف دولية جرى إبلاغ لبنان بها، عنوانها ينطلق من تشكيل حكومة وحدة وطنية، على أن يتضمن بيانها الوزاري بكل وضوح مسألة حياد لبنان عن التطورات الدولية، وتطبيق معادلة النأي بالنفس، خصوصاً من جانب حزب الله، من سوريا إلى العراق واليمن ودول الخليج. وهنا، ثمّة من يتخوف من إجراءات خليجية قاسية ردّاً على استقبال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وفداً من الحوثيين. ما تعتبره السعودية خطّاً أحمر قد تجاوزه لبنان، وسينعكس على عملية تشكيل الحكومة التي لن يكون الحريري قادراً على تثبيت النأي بالنفس فيها أو الالتزام بمبدأ الحياد. وهذا لا ينفصل عن عملية مراقبة حثيثة ودقيقة تجريها واشنطن لحركة الأموال في بعض المصارف.
ووفق المصادر، فإن الموفودين الدوليين الذين زاروا لبنان في الفترة الأخيرة والتقوا المسؤولين فيه، شددوا على هذه المسألة، بالإضافة إلى التشديد على ضرورة البحث في الاستراتيجية الدفاعية بشكل واضح، وخلال مدّة زمنية لا تتعدى السنة. على أن يكون البحث بهذه الاستراتيجية جديّاً، ولا يهدف إلى تقطيع الوقت. وهذه المواقف الدولية التي أبلغ لبنان بها، كانت تقرن بتقديرات هؤلاء الموفدين أو دولهم، بأن حزب الله سيعود من سوريا، عاجلاً أم آجلاً، وهو بدأ نوعاً ما إجلاءً عسكرياً صامتاً من هناك، فيما لا يزال يحتفظ بوجوده في مواقع ونقاط معيّنة، لكن ذلك سينتفي في المستقبل. ولكن هؤلاء لا يناقشون مسألة بقاء حزب الله السياسي في سوريا ومدى تأثيره هناك. وهذه ترتبط أيضاً بأن لبنان لن يحصل على المساعدات المالية التي أقرّت في المؤتمرات التي خصصت لأجله قبل سنة، ولن يتمكن من صرفها بنفسه، لأن ذلك سيكون ذلك تحت إشراف دولي.
وتعتبر هذه الدول أن المعادلة قابلة لأن تكون بموازين متكافئة لبنانياً، لأن حزب الله ورئيس الجمهورية ميشال عون، لن يكونا قادرين على تسمية شخصية غير الحريري لرئاسة الحكومة، في ظل الضغوط الدولية والتحذيرات التي يجري إبلاغ اللبنانيين بوجوب التقيد بها، لئلا تتخذ إجراءات بحق لبنان على غرار الإجراءات التي اتخذت بحق كل من تركيا وإيران. ومن بين هذه التحذيرات مثلاً، محاولة وضع فيتو على تولّي حزب الله بعض الوزارات لا سيما ذات العلاقة بالمجتمع الدولي، وبعض التحذيرات تصل إلى حدّ التهديد بفرض عقوبات أو قطع المساعدات عن هذه الوزارات إذا ما تولاها حزب الله. بالتالي، كيف سيكون الأمر إذا ما شكّلت حكومة تمثّل حزب الله وتتبنى خياراته. هذا يعتبر بمثابة رسالة تحذير، على لبنان تلقفها والالتزام بها. وهذا جانب يعرفه الحزب جيداً. لذلك، هو يبدو مصرّاً على استمرار الحريري على رأس مهمته.