فاقم السجال المفتوح بين «الحزب التقدمي الاشتراكي» و«التيار الوطني الحر»، حول موضوع الحريات بعد توالي عملية استدعاء ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، من حدة الخلاف السياسي بين الحزبين، خصوصاً بعد تنبيه رئيس «التقدمي الاشتراكي» من تحول النظام في لبنان إلى نظام «بوليسي» يقمع الحريات، واعتبار «العونيين» أن لدى «الاشتراكيين» ما سموه «أجندة قاتمة»، متهمين إياهم بـ«الافتراء والغوغائية».
وحذرت مفوضية «العدل والتشريع» في «الحزب التقدمي الاشتراكي» يوم أمس أصحاب القرار من الاستمرار بـ«الممارسات القمعية»، وسياسة كمّ الأفواه، وخنق حرية المواطنين، عبر التهديد والتهويل والاستدعاء إلى مراكز التحقيق، لافتة إلى أن «ذلك سيضطرها للجوء إلى وسائل أخرى يتيحها القانون للتصدي لهذه الممارسات، تعبيراً عن رفضنا للنظام الأمني البوليسي السائد حالياً، المرفوض أيضاً من فئات الشعب اللبناني كافة».
وأكد النائب في كتلة «اللقاء الديمقراطي»، هادي أبو الحسن، أن «الحزب التقدمي الاشتراكي» لا يبحث عن معارك أو خصومات مع أي من الفرقاء أو المسؤولين «فهناك ثوابت نلتقي بها مع بعضهم، ونختلف على أساسها مع البعض الآخر، لكن ما هو غير خاضع للنقاش بالنسبة لنا القبول بتحويل النظام السياسي الديمقراطي اللبناني إلى نظام قمعي بوليسي».
وقال أبو الحسن لـ«الشرق الأوسط»: «حرية الرأي والتعبير مصانة بالدستور اللبناني، وعلى المؤتمن على الدستور أن يحرص على تطبيق مواده وبنوده، وعلى رأسها تلك المتعلقة بالحريات».
وشدد أبو الحسن على أن «التقدمي الاشتراكي» يرفض رفضاً قاطعاً المس بكرامات الناس، لكن ما يحصل من تعقبات يستوجب التدقيق، بدءاً من استدعاء الإعلامي مارسيل غانم، مروراً بغيره كثير من الصحافيين والناشطين، وآخرهم وديع الأسمر رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان.
وأضاف: «هناك فريق معين في البلد يقمع حرية الرأي والتعبير، ويتعقب عبر القضاء من يدلي برأي أو موقف مرتبط بالشأن العام، وهو ما لا يمكن أن نقبل باستمراره تحت أي ظرف».
وبحسب القانون اللبناني، فإن دعوى الحق العام لا تتحرك تلقائياً، إلا في حالات النيل من رئيس الجمهورية، أو من السلطة القضائية، أو من المؤسسة العسكرية. أما في باقي الملفات، فإن القضاء لا يتحرك إلا بناء على ادعاء شخصي.
وقد أعلن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بوقت سابق أنه تواصل مع وزير العدل، وطلب منه عدم ملاحقة أي ناشط أساء إليه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن عملية استدعاء الناشطين توالت لأسباب شتى، ومنهم مثلاً الناشط عماد بزي، على خلفية انتقاده مشروع «أيدن باي» السياحي الذي يشيد على شاطئ الرملة البيضاء في بيروت، ووديع الأسمر لإعادة نشره تغريدة معينة على موقع «تويتر».
واعتبر الوزير السابق عضو تكتل «لبنان القوي» غابي ليون أن لدى «الحزب التقدمي الاشتراكي» ما سماه «أجندة قاتمة اللون، تلحظ التهجم على العهد ورئيس الجمهورية، حتى بموضوع الحريات الذي لا يمكن لأي كان أن يزايد عليه فيه، فالدفاع عن الحريات بالنهاية سبب وجودنا، وشعار السيادة والحرية والاستقلال لطالما كان شعارنا، وقد تبناه كثيرون في وقت لاحق».
وشدد ليون، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، على أن «هناك فرقاً كبيراً بين حرية التعبير والشتيمة، مما يجعل النيابات العامة تتحرك تلقائياً، علماً بأن الرئيس عون يبقى متسامحاً إلى حد كبير في هذا المجال». وأضاف: «من يقبل بأن تصبح الحريات شتيمة، وتعرض للكرامات، وتتضمن كلاماً نابياً؟ هم يتناولون الموضوع وكأن السجون مليئة بمساجين رأي، هذه الغوغائية والكذب لم تعد تنفعهم، والأجدى بهم البحث عن أكاذيب ذكية، فقد اكتفينا من أكاذيبهم الغبية».
وشنت القناة التلفزيونية التابعة لـ«التيار الوطني الحر»، أخيراً، حملة عنيفة على من يتهم العهد بقمع الحريات، وجاء في مقدمة نشرتها الإخبارية قبل أيام: «في مجالس الأنذال سموم وسهام، أفخاخ وأوساخ تُرمى في الفضاء الافتراضي والتواصل الافترائي؛ يكذبون ويمكرون. يطلع عليك أحدهم بكلام بذيء نتن قبيح بحق رئيس الجمهورية وأركان حكمه، وتهديد بالقتل، وتمنيات بالسحل. فيتحرك القضاء تلقائياً، ويرفض الرئيس عون أن يتم توقيف أحد، حتى لو أساء إليه، لكن الخبثاء والبلهاء لا يرون إلا التعدي على حرية التعبير، ولا يرون التسامح في موقف الرئيس».
وانضم رئيس حزب «القوات»، سمير جعجع، أخيراً، إلى «التقدمي الاشتراكي» للتنبيه من الاستدعاءات التي تتم على خلفيّة تعليقات يقوم البعض بنشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، واعتبر أنها «ظواهر تذكر برواسب النظام الأمني السوري - اللبناني»، لافتاً إلى أن «بعض تلك التعليقات تستوجب الاستدعاء لأننا نعيش في بلد يحكمه القانون، ويجب ألا يتم تخطيه كي لا تعم الفوضى، إلا أن هناك تعليقات تأتي في سياق حرية التعبير عن الرأي».