يبدو أن الأزمة الحقيقية تكمن في مسألة الثقة بين الولايات المتحدة الاميركية وطهران، اذ ان كبير مستشاري الامن القومي حثّ ايران على اجراء محادثات مع الولايات المتحدة والا سوف يعانون من آلام العقوبات الاقتصادية بينما الرئيس الايراني يرى ان على واشنطن اثبات انه يمكن الوثوق بها وهذا ما قاله بالحرف الواحد الرئيس حسن روحاني: «يمكن ان نجري محادثات مع الولايات المتحدة فقط إذا أثبتت واشنطن انها جديرة بالثقة». كذلك اضاف روحاني ان ايران هي دائما مع الدبلوماسية والمحادثات شرط ان تكون محادثات صادقة.
والواقع ان ترامب لا يشكو فقط من البرنامج النووي بل هناك شكوى اميركا من تدخل ايران في صراعات الشرق الأوسط من اليمن الى سوريا، اضف الى التوتر الحاصل بين ايران واسرائيل. والعقوبات الاميركية وان جاءت بنقاط ضعف عدة تهدف الى تعديل سلوك ايران وليس «تغيير النظام» حسبما أكده مسؤولون اميركيون الاثنين الماضي. لكن هذه العقوبات تعاني من نقاط ضعف يتوجّب التوقّف عندها، اهمها تلكؤ اوروبا والصين للحد من العمل مع ايران، وهم على استعداد للعمل معها حسب ما قاله مسؤول طلب عدم ذكر اسمه.
والواجب ذكره ان هذه الجزاءات قد تؤدي الى تداعيات خطيرة على الاقتصاد الايراني سيما بعد تشرين الثاني حيث تود اميركا وقف استيراد النفط الايراني وتهدّد باجراءات مالية اميركية اذا لم يحصل ذلك.
ولأنّ الاتفاق النووي أصبح في مهب الريح فإن ايران سوف تواجه مستقبلًا غامضًا، سيما مع تزايد الشعور باليأس والغضب في الشوارع. ولكن ايران ودبلوماسيتها على المحك سيما مع تعثر الاقتصاد الايراني تحت ضغوط الجزاءات والاضطرابات في الشوارع.
في الواقع، هناك عدد قليل من البدائل المتاحة امام زعماء ايران مع وعود اميركا بجلب المزيد من العقوبات الصارمة في تشرين الثاني والتي تستهدف صادرات النفط الايرانية وتهديدها لحلفائها من التعامل مع ايران. وقد تردّ ايران بحزم وتقفل مضيق هرمز الذي يمر فيه ٣٠ بالمائة من النفط العالمي سنويًا الامر الذي سوف يؤدي حتمًا الى ازمة طاقة عالمية بل يمكن ان يؤدي الى رد عسكري من قبل الولايات المتحدة.
وقد اضطرت طريقة ترامب العدوانية رئيس ايران الى التوجه نحو اليمين المتطرف لاستيعاب المتشددين الذين يرون في اعادة فرض الجزاءات برهانا جديدا على انهم كانوا على صواب منذ البداية من حيث عدم الوثوق بالولايات المتحدة. وقد لا تؤدي هذه العقوبات المرجو منها سيما وان اوروبا والصين غير مستعدتين للسير بتلك العقوبات الامر الذي قد يخفّف من الاثر الاقتصادي للجزاءات حسب مسؤول رفيع المستوى في وزارة الاقتصاد الايرانية.
لكن لا بد من القول ان العقوبات قد تؤثر، وبشكل كبير، على الاحتياطي النقدي الايراني والذي من المتوقّع ان ينخفض هذا العام الى ٩٧،٨ مليار دولار وهو ما يكفي لتحويل حوالي ١٣ شهرًا من الواردات حسب تقديرات صندوق النقد الدولي. اضف الى ذلك، انخفاض العملة جراء العقوبات. ويقول البنك المركزي الايراني ان التطورات الاخيرة في الاسواق تُعزى الى حد كبيرالى مؤامرة تهدف الى تفاقم المشاكل الاقتصادية وعليه، تمّ القاء القبض على اكثر من ٢٩ شخصًا بتهمة زعزعة الاقتصاد وسوف يقدمون للمحاكمة قريبًا.
جاء انسحاب اميركا من الاتفاقية بتشجيع من اعداء ايران، وكان هناك امل بأن بعض الدول الموقّعة مثل بريطانيا وفرنسا والمانيا ستتولى انقاذ الاتفاقية، الا ان الأمر يبدو صعبا بالنظر الى مدى الترابط الوثيق بين شركاتها مع الشركات الاميركية، وقد كان شاهدًا على ذلك تخفيف نشاط العديد من الشركات لا سيما بيجو وتوتال وديملز.
هذه التصرفات تندرج في اطار الاحادية في التعامل، ولكن يبدو أن اوروبا ليست قادرة على وقف العقوبات. وقد ارتفعت اسعار البترول العالمية يوم الثلاثاء الماضي بسبب المخاوف من انقطاع الامدادات العالمية، على الرغم من ان الاجراءات التي تستهدف صادرات النفط الايرانية لا تصبح سارية المفعول قبل اربعة اشهر.
الامر الاكيد بالنسبة للزعماء الايرانيين، واستنادًا الى الخبرة الماضية، انه لا يمكن الوثوق في التفاوض مع الحكومة الاميركية سيما وانها أثبتت انها لا تلتزم بتعهداتها رغم التزام ايران بالاتفاقية حسب وكالة الطاقة الذرية المشرفة على تنفيذ هذه الاتفاقية.
ويحلّل الاميركيون هذا النقص بأن الاتفاقية خاطئة وليست صارمة بالقدر الكافي لكن ايران سوف تواصل الالتزام اذا كان في مقدور الدول الاوروبية والصين المساعدة على الحد من اثره الاقتصادي على ايران وعلى اسواق النفط العالمية. وقد اظهرت العقوبات انها غير فاعلة سيما في ظل ما شهدته الساحة العالمية من تدهور بين اميركا وحلفائها وبين اميركا والصين وروسيا. ويبدو ان اميركا، رغم قدرتها على السير بالعقوبات، سوف يكون عليها المحاربة على جبهات عدة مع الصين وروسيا واوروبا واذا ما كانت اوروبا وشركاتها قد تلتزم فإن الصين وروسيا قد لا تفعل في خضم الحرب التجارية الدائرة.
الصورة باتت معقدة ويمكنها ان تقوّض روحاني وتقوّي قبضة خصومه المتشددين سياسيا، سيما وان الاضطرابات باتت تلوح في الافق والعملة الايرانية هي في تراجع مستمر. والالم الحقيقي لن يضرب الا في تشرين الثاني عندما تتم اعادة فرض عقوبات على صناعة النفط في ايران وهو القطاع الرئيسي في بنية الاقتصاد، في محاولة من اميركا لاعادة ايران الى طاولة التفاوض في شأن الاتفاق النووي للعام ٢٠١٥.
هذا هو التحليل المنطقي، ولكن يبقى الشق السياسي والذي هو ظاهر للعيان، ويهدف الى تطويع ايران لحماية مصالح شركاء اميركا في المنطقة.