يكتمل في 24 من الشهر الجاري عقد الأشهر الثلاثة التي مضت على تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة الجديدة من دون اي مؤشر الى احتمال تأليفها. فمساعي التأليف متوقفة منذ فترة غير قصيرة، ومضت أسابيع من دون ان يلوح في الأفق ما يشير الى انّ الرئيس المكلف قد توصل الى تشكيلة وزارية تنال توقيع رئيس الجمهورية تمهيداً، وتمثل امام المجلس النيابي طالبة ثقته.
وفيما كل الخيارات الحكومية التي طرحت حتى الآن قد فشلت، يغرق اللبنانيون ومعهم سياسيون في توجيه أصابع الإتهام الى هذا الفريق أو ذاك بالتسبّب بالعرقلة، فيما يسترسل آخرون في إلقاء تبعات الضرر اللاحق برئيس الجمهورية وآخرون على الرئيس المكلف وما بينهما على رؤساء الأحزاب والتيارات «الأكثر تمثيلاً» الذين يتجاذبون التشكيلات المقترحة بحثاً عن حجم الحصص والحقائب، السيادية منها او الأساسية، وتلك الخدماتية في تصنيف سياسي وحكومي هو الأسوأ الذي يمكن ان يطاول الحكومة نفسها في شكلها والمضمون.
ولا يتنكّر أحد انّ اخطر الإنعكاسات السلبية للتأخير في تأليف الحكومة بعيداً عن تردداتها على المواقع الرئاسية، هي التي تصيب المواطن اللبناني الى اي طائفة او فئة او منطقة انتمى. كذلك تصيب الوطن ومؤسساته الدستورية المشلولة واقتصاده والنقد الوطني المهدد في كثير من الجوانب، وما يمسّ الدولة في علاقاتها الدولية والإقليمية وتعاطيها مع الاستحقاقات المقبلة على لبنان والمنطقة. وما يعدّ الأخطر على مستقبل لبنان ما تسبّبت به الأزمة الى اليوم على مستوى العلاقات بين لبنان والمجتمع الدولي الذي وضع لبنان تحت المجهر الأكثر دقة ومراقبة، إقتصادياً وسياسياً وأمنياً، نتيجة المؤتمرات التي خصصت له لفصله عن محيطه الملتهب وحماية أمنه واستقراره بالحد الأدنى المتوافر مهما كانت الكلفة على كل المستويات.
وعلى رغم كل هذه الحقائق التي تعبّر عنها الوقائع، ما زال هناك من يوزّع الخسائر على هذا الفريق او ذاك، وكأنّ البعض منهم كان او سيكون في منأى عن نتائج الفشل في تعثّر عملية التأليف، فالخسائر الحقيقية تشمل الجميع ولا يعتقدنّ أحد أنه بريء من كل ما يمكن ان تنتجه الأزمة من خسائر مادية ومعنوية وسياسية، ولا يفيد ان يحاول أحد منهم التبرؤ ممّا آلت اليه التطورات.
على هذه الخلفيات يتوقف المراقبون امام سيل من الخلاصات التي ترمي المسؤولية على الجميع وتتحدث عن مجموعة من الفرص الضائعة التي عبرتها عملية التأليف، فما كان ممكناً في الأسابيع الأولى التي تلت اقفال صناديق الإقتراع في 6 ايار الماضي كانت «المرحلة الذهبية» التي كان يمكن خلالها توليد الحكومة العتيدة. فالظروف كانت تسمح بالنفاد بالعملية في عملية سياسية داخلية لولا ركوب البعض سلّم الأوهام في السيطرة والإستئثار بالمواقف الحكومية المؤثرة، اعتقاداً منه انّ هذه الحكومة ستكون حكومة العهد الأولى والتي تدير سنوات ما تبقّى من العهد، او ربما كانت الأخيرة التي ستقود الى رسم خطوط الجميع ومواقعهم في العهد الذي يليه بما فيه الإستحقاق الرئاسي المقبل قبل ان يعبر العهد ثلثه الأول.
وعليه، فقد أمعن البعض بمحاولته فرض شروطه على الآخرين الى ان استدرجت القوى الخارجية الإقليمية والدولية الى الداخل وبات البعض أسير التطورات المحتملة في المنطقة والعالم، وبات أيّ تنازل مطلوب بمثابة تسليم كامل وشامل لمشيئة خارجية تتحكم بالتوازنات الداخلية وتديرها وتتلاعب بها، الى ان بلغ الجميع محطة بات فيها من الصعب الوصول الى تشكيلة ترضي الأكثرية ما لم تعقد «صفقات ثنائية» جديدة تعيد توزيع المغانم والمواقع في ما بين القوى المتصارعة على رغم صعوبتها.
ولذلك، يعيد بعض المراقبين حجم الأزمة الى حجم التفاهمات التي سبقت التسوية الرئاسية، والتي بلغت مداها في الانتخابات النيابية فظهر المتين منها وسقط الهَش سريعاً. فمن بين التفاهمات التي عقدت ما بُني على مجموعة من المصالح والمغانم الآنية التي لا يمكنها الصمود امام حجم النزاع المتأتي من التطورات الخارجية. وكل ذلك يجري في وقت أصيبت فيه اخرى بارتجاجات قوية فاهتَزّت من دون ان تقع نهائياً. فموازين القوى لم تسمح بأن تطغى قوة على أخرى، فباتَ على الطرفين تَحمّل تبعات الهزّات والانسجام معها وتبادل التنازلات ولو كان مرغماً.
وعليه، بات من الواضح انّ الأزمة الحكومية ماضية بلا أفق بفِعل ما تناسل منها من أزمات، وتلك التي نَمت على يمينها وشمالها الى مرحلة لم يعد هناك فيها من وسيط لتوفير المخارج. والأخطر انّ الحل بات رهناً بتطور دراماتيكي، أمنياً كان أو سياسياً او اقتصادياً، يدفع الى تنازلات جماعية يمكن ان تسهّل الوصول الى مخارج قد تكون كلفتها أكبر ممّا يتصوره البعض.