يوم 23 آب 1982، شكّل نقطة تحوّل نوعية في تاريخ لبنان المعاصر عبر انتخاب بشير الجميّل، قائد المقاومة اللبنانية، رئيساً للجمهورية.
ما أن انتُخب الرئيس الشاب، حتى انطلقت ورشةُ الإصلاح الذاتي في الإدارة اللبنانية ومؤسسات الدولة. رئيسٌ قويّ، آتٍ من صفوف المقاومة اللبنانية، نظيفُ الكف، واضحُ الرؤيا، ناضلَ من أجل قضيةٍ استشهد من أجلها آلافُ المقاومين، مُحاطٌ بفريق عمل متخصص ومتجرّد لقيادة السفينة اللبنانية الى برِّ الأمان.
قبل استلامه دفّة الرئاسة، انتظم العمل في إدارات الدولة وأقفلت جوارير السرقة وتوقفت الخويّات والسمسرات وأصبح شرطيّ السير «يفرفك أنف» أكبر أزعر إذا خالف القانون. والأهم من ذلك، إنسحاب منظمة «التحرير الفلسطينية» مع رئيسها أبو عمار من لبنان من أجل أن يستعيد لبنان سيادته على أرضه بواسطة قواه الشرعية.
بدأت مسيرةُ الانتظام قبل انتخابِه إذ أطلّ على اللبنانيين بكلمات ومواقف شعر من خلالها اللبنانيون أنّ الآتي الى كرسيِّ الحكم لن يستجديَ أحداً، ولن يمالق أو يساير أحداً. فالحكمُ القوي يبدأ بالموقف الجريء والإيمان بلبنان السيد على أرضه وتطبيق القانون على الجميع، إبتداءً من أقرب الأقربين.
من ذكرى 23 آب، يجب أن نتعلّم أنّ بإمكاننا أن نقوم بانتصارات أخرى رغم الصعوبات التي نمرّ بها. فالوضع أيامَ بشير لم يكن افضلَ من الذي نعيشه اليوم.
لكنّ إرادة بشير وإيمانه بالقضية التي ناضل من أجلها كانتا من الحوافز التي أفرزت هذا الانتصار. لذا علينا كمسيحيين وكلبنانيين أن نؤمن بهويّتنا ونعمل بكل طاقاتنا لتحسين وضع البلد، لا أن نتركه لغيرنا ونتخلّى عن مسؤولياتنا التاريخية، وإذا انحشرنا، نترك البلد ونغادره. فلبنان بحاجة الى تضحية وجهد من كل واحد منا.
بشير علّمنا أنّ المقاومة لم تكن من أجل توزيع المغانم والحصص أو انتخابات ومناصب، بل من أجل قضية ورؤيا. فالشأن العام والعمل الوطني يجب أن يكون مبنيّاً على نمط حياة يؤمن بالحرية والعدالة والديمقراطية والحرية وتكافؤ الفرص وخصوصاً على المحافظة على هوية لبنان الحضارية والتاريخية. هذا تحديداً ما حمله بشير معه الى الدولة يوم 23 آب. يومها انتصر مشروع بشير، وأصبح المشروع الذي أعدّه هو المشروع الشرعي للحكم الآتي.
فالرئيس القوي يحمل مشروعاً قوياً، ليس ليفرضه على اللبنانيين بل ليفرض النمط الإصلاحي الجديد والذي بدأ المواطنون يرون تباشيره فور انتخابه عبر انتظام أجهزة الدولة ومؤسساتها وعودة الحياة والتلاقي بين المواطنين من كل المناطق.
بعد انتخابه رئيساً، طرح بشير برنامجه ورؤياه لقيام الدولة القوية، فتوجّه الى اللبنانيين قائلاً: «الوطن سوف ندفع ثمنه، والمزرعة سوف ندفع ثمنها، وهناك ثمن في الحالين. فالأفضل أن ندفع ثمن الوطن من أن ندفع ثمن المزرعة».
ولم يخَفْ بشير يوماً من الحقيقة بل طالب المواطنين المجاهرة بها، حيث توجّه اليهم بالقول: «أتيتُ أطلب منكم أن تقولوا الحقيقة مهما كانت صعبة. لكن عندما نموّه الحقيقة، يمكن أن نميل الى إيقاع الحاكم في التجارب، فلا توقعوا الحاكم في التجارب...».
بعد 36 سنة، نشعر أنّ بشير كان رؤيَوياً، حذّر من هفوات الحكم سابقاً واضعاً تصوّرَه للمستقبل، وها نحن اليوم لا نرى سلطة القانون بل الخارجين عنه، ولا مساواة بين أبناء الوطن الواحد، ولبنان لم يعد قوياً بمؤسساته ولا الإنسان يعيش كريماً في وطنه...
لقد حذّر بشير من بناء المزرعة، وها نحن نبنيها حجراً حجراً، ونرى الفلتان في مؤسسات الدولة وإداراتها لأنّ مَن يديرها تحوم حوله الشبهات، والفاسدون لا يمكنهم أن يبنوا دولة القانون. فالدولة والمسؤولون اليوم لا يريدون أن يواجهوا الحقيقة بل يتصدّون لها وللمواطنين الذين يشيرون اليها، خوفاً على مكاسبهم ومواقعهم ومغانمهم الشخصية... والحرية الشخصية وحرية التعبير أصبحتا حبراً على ورق...
ليت المسؤولين من أعلى الهرم الى أسفله يتذكّرون ويتّعظون من كبارٍ سبقوهم، خلّد اسمُهم التاريخ في قلوب اللبنانيين كبشير، لأنهم رفعوا شعار «لبنان أولاً».
وسيبقى تاريخ 23 آب 1982 يوم انتخاب بشير رئيساً، نبضة أمل في قيام لبنان الجديد.
(النائب نديم الجميّل)