دخل الاستحقاق الانتخابي المقرر في 9 حزيران (يونيو) المقبل في لبنان دائرة خطر التأجيل، في ظل عدم تفاهم الفرقاء السياسيين على صيغة توافقية تفضي الى قانون جديد. وفي وقت تزداد الخشية، مع اقتراب انتهاء ولاية المجلس النيابي من الوقوع في فراغ قاتل قد يهدد النظام بكل مكوناته، فإن الواقع يشي وفق مصادر نيابية بأن ما يدور خلف الكواليس الانتخابية، سيسلك احد المسارين: إما تأجيل تقني لبضعة اشهر، وإما التمديد للبرلمان سنة او اثنتين.
ولأن التمديد ليس سابقة في تاريخ لبنان، يستذكر الوزير والنائب السابق ادمون رزق الذي اختير في عداد اعضاء لجنة صوغ اتفاق الطائف، المرات التي مدد فيها للمجلس، وبلغت ثماني، ربطاً بالظروف والأوضاع التي كانت سائدة آنذاك، يقول رزق لـ «الحياة»، ويضيف مفصلاً: «اول تمديد حصل في 13 آذار (مارس) 1976 بسبب الوضع الامني، والتمديد الثاني عام 1978 والثالث عام 1980 والرابع 1983، تلاه تمديد خامس في الـ 1984 وسادس في الـ 1986 وسابع في الـ 1987، وكان آخر تمديد في 7 كانون الاول /ديسمبر 1989». ويوضح: «كان يفترض ان يكمل المجلس المدة الممدد له فيها حتى آخر العام 1994، اذ كان ينبغي وفقاً لاتفاق الطائف وضمناً للمواعيد التي كنا اتفقنا عليها ان نكون انتهينا في هذه الفترة من الاحتلال الاسرائيلي والوجود السوري، لكن أُجريت الانتخابات في ظل الاحتلالين، اذ جاؤوا بقانون معلب عام 1992، فحلّ المجلس القائم نفسه خلافاً للدستور وللطائف وعُيّنت الانتخابات ولم تُجر، خصوصاً بعد تعيين 40 نائباً ليصبح المجلس في يد سلطة الوصاية، اذ حصلت حينها مقاطعة تجاوزت الـ85 في المئة، ومنذ ذلك الحين بدأوا ينتظرون حتى الاسابيع الاخيرة من موعد كل انتخابات، فيعملون على تعليب قانون يستنسخون من خلاله المجلس استنساخاً».
رزق الذي كلف حين توليه وزارة العدل وضع مشروع التعديل الدستوري بصيغته الحالية، يؤكد ان «التمديد كان يتم بموجب اقتراح قانون معجل مكرر يتقدم به نائب او اكثر، فيطرحه رئيس المجلس بصفة الاستعجال المكرر ويعطى هذه الصفة، وبعد اقراره يتم التصويت على الاقتراح بمادة وحيدة ويصبح نافذاً». ويشير الى ان اقتراحات التمديد كانت تتم بالتوافق بسبب استحالة إجراء الانتخابات في موعدها وتجنباً للوقوع في الفراغ مع اقتراب انتهاء ولاية المجلس. وهنا يلفت الى انه «لو لم يتم التمديد للمجلس آنذاك، لكنا وصلنا الى فراغ في كل المؤسسات، اذ إن رئاسة الجمهورية في عهد الرئيس امين الجميل، شغرت مع الأسف بتواطؤ ماروني مع السوري، وأصبحت لدينا حكومتان وجيشان». لكن المجلس الحالي، يقول رزق: «لا توجد فيه اكثرية وفق النظام الديموقراطي، وإنما اكثرية ظرفية وفقاً للترهيب والترغيب. فمثلاً يجري تخويف (النائب وليد) جنبلاط فيترك الاكثرية، فيتم ترغيبه، فيعود اليها، فتصبح الاكثرية اقلية والاقلية اكثرية». ولأن الدولة يقول رزق: «في وضعها الحاضر تبدو عاجزة عن ضمان الامن لتأمين حرية الانتخابات»، فإنه يحذر من انه «اذا لم تجر في موعدها ولم يمدد للمجلس، سنصبح في حال انقلابية، وسنقع في فراغ مؤسسة دستورية، وليس فراغاً دستورياً كما يشاع لأن الدستور يظل قائماً. لكن تصبح سلامة البلد مهددة برمتها لا النظام وحده». ويستدرك قائلاً: «تبقى الاولوية لدى حكومة تصريف الأعمال تأمين انتخابات وفقاً للقانون المرعي الإجراء (الستين)، اذ حينها توجد استحالة في تغيير القانون».
وبصفته مرجعاً قانونياً، يقترح رزق «التمديد سنة واحدة للمجلس، اذ في هذه الاثناء يكون توضّح الوضع الاقليمي، وفي الداخل نكون توصلنا الى صيغة توافقية»، ويصر على ان التمديد «لا يجوز ان يتجاوز السنة لأننا لسنا في حال حرب، وإنما في حال تعذر، وهذا يوازي الاستحالة. اما في حال الاصرار على الانتخابات في ظل الوضع القائم ووفقاً لقانون الستين فسنفاجأ بتركيبة نيابية مثيلة للتي حصلت عام 1992 فيفوز النائب بأربعين صوتاً كما حصل سابقاً».
ويرى رزق ان «الحل يكمن في ان ينهض رئيس الجمهورية بالقيادة، فيصارح الشعب بحقيقة الوضع ويستنفره، فيتكون رأي عام كبير الى جانبه يساعده على حل الأزمة، ويأتي بحكومة مؤهلة توحي بالثقة، وهذه تكون خطوة أولى لإجراء انتخابات حرة ونزيهة». لكنه يبدي اعتقاده بأنه «لا يمكن الركون الى أي انتخابات تجرى من دون رقابة دولية».
ويشير رزق الى ان «كل الاقتراحات التي قدمت باستثناء مشروع الحكومة هدفها تأمين مقاعد لأصحابها وليس تمكين الناس من انتخاب نواب، بينما اتفاق الطائف يلحظ قانون انتخاب يؤمّن التمثيل الصحيح». وإذ سئل كيف ستجرى الانتخابات في ظل الوضع المتفلت، والدولة عاجزة عن تحرير مخطوف وجلب خاطف؟ قال جازماً: «حتى لو تم التوصل الى قانون، فمن غير الممكن تطبيقه بعدل في هذه المرحلة، لأن اسقاطات الوضع الاقليمي ضاغطة على البلد على الحدود وفي الداخل».