في غياب أي تطور إيجابي على جبهة التأليف الحكومي، يُنقل عن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تأكيده انه ما زال ينتظر من الرئيس المكلف سعد الحريري تسليمه تشكيلة وزارية، خصوصاً أنه قد حان أوان إعدادها ولم يعُد جائزاً بقاء الوضع على ما هو من مراوحة ودوران في الحلقة المفرغة.
وتعليقاً على الجمود وعدم تأليف الحكومة، قالت مصادر وزارية مطلعة على موقف عون انه وبمعزل عن سلسلة الروايات والسيناريوهات المتداولة وما حَوته من مغالطات وتفسيرات لا تَمتّ الى الواقع بصِلة، فإنّ «ما يهم الرئيس عون هو الاسراع في تأليف الحكومة بعيدا من بقية القضايا المُثارة».
وأضافت: «انّ المواضع والملفات التي تثير التباينات حولها مواقف الاطراف تبحث في مجلس الوزراء وليس خارج المؤسسات الدستورية. ولذلك هل نسينا انّ التوافق تمّ على انّ «الحكومة التي يعمل على تأليفها يفترض ان تكون حكومة وفاق وطني؟».
الحريري
في المقابل، يحرص الرئيس المكلف سعد الحريري على إبداء تفاؤل حذر بتأليف الحكومة، واعداً أن تشهد فترة ما بعد عيد الأضحى جولة من الاتصالات الحاسمة. إلّا أنّ سائر القوى السياسية، ولاسيما منها العاملة على خط التأليف، تبدي تشاؤماً كبيراً حيال الاستحقاق الحكومي برمّته.
بري
هذا الواقع دفع رئيس مجلس النواب نبيه بري الى رفع الصوت قائلاً أمس: «اننا لن نقبل باستمرار حَرق الوقت وصرفه بلا طائل، وتأجيل تنفيذ الاستحقاقات المتمثلة ببناء مسؤولية السلطة التنفيذية عبر تأليف الحكومة».
ودعا بري، في كلمة خلال الاحتفال بالعيد الـ 41 لـ«كشافة الرسالة الاسلامية» في قصر الاونيسكو، الى «لَملمة الوضع والواقع المتشظّي والمُسارعة الى تعويض الوقت الضائع، واتخاذ الإجراءات البيئية العاجلة، ورَدع ردم مجرى الليطاني بالمجارير والقاذورات، ولمّ ملف النفايات وبناء القدرات الوطنية لطَي ملف الكهرباء».
وقال: «انّ ما يجري هو ترك البلد هكذا من دون مسؤولية وخدمات وتغييب للدولة وادوارها، وترك ما تبقى من اقتصاد وطني له فرصة الانهيار فقط». واضاف: «نريد حلولاً جذرية لا تعتمد تطويف أو مذهبة توزيع الطاقة، ولا تعتمد على البواخر المستأجرة لإنتاج الكهرباء أو الإبقاء على أفخاخ المولدات».
وكان بري قد أعلن أمام زواره «أن لا جديد على الاطلاق في الملف الحكومي، واكاد أقول انّ الامور بدلاً من أن تتقدّم، بدأنا نراها تسير إلى الوراء».
ورداً على سؤال قال: «لا خوف إطلاقاً على الوضع النقدي في لبنان، انا شخصياً سألت مصرفيين، ومصرف لبنان وخبراء اقتصاديين، فأجمعوا كلّهم على أن كل المتداول به عن أزمة مالية شديدة ليس صحيحاً، بل على العكس، الوضع النقدي مطمئن ولا يدعو إلى القلق والخوف.
ولكن هذا لا يعني أن يبقى الحال على ما هو عليه، فإن طال أمده تصبح كل الاحتمالات السلبية واردة، ليس على المستوى السياسي فحسب، بل أيضاً على المستويين المالي والاقتصادي».
وأوضح بري انه في صدد الدعوة قريباً إلى جلسة تشريعية فور انتهاء اللجان النيابية من درس بعض المشاريع وإقرارها، مشيراً الى أنّ المجلس لا يحتاج إلى فتح دورة استثنائية لأنه الآن في مثل هذه الدورة، والمادة 69 من الدستور واضحة في هذا الاتجاه، حيث تنصّ على ما حرفيته: «عند استقالة الحكومة او اعتبارها مستقيلة يصبح مجلس النواب حكماً في دورة انعقاد استثنائية حتى تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة».
«المستقبل» و«الاشتراكي»
وفي وقت يحرص تيار «المستقبل» على التأكيد أنّ «أبواب التأليف ليست مقفلة، وما زال هناك مُتّسع من الوقت لتحقيق اختراق في جداره، وأنّ الرئيس المكلف يعمل في هذا الاتجاه»، أكدت مصادر الحزب التقدمي الاشتراكي عدم وجود أي فرصة لحلّ العقد في ظل شروط البعض، غامزة من قناة «التيار الوطني الحر».
وقالت: «موقفنا ثابت وعَبّر عنه رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب تيمور جنبلاط، بأنّ التمثيل الدرزي في الحكومة هو حصراً من حصة الحزب ونقطة على السطر». ونَفت علمها بوجود فكرة «حل وسط» لتفكيك العقدة الدرزية. وقالت: «لم يتحدث أحد معنا في أي فكرة حل وسط أو غير ذلك».
«القوات»
الى ذلك، أكدت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» أنّ التأليف الحكومي «ما زال عالقاً عند الطروحات نفسها، وما زلنا منفتحين على الحوار، ولكن ليس حواراً لأجل الحوار وإمرار الوقت، بل حوار واقعي يحاكي بموضوعية وتوازن ما أفرزته الانتخابات النيابية من نتائج لسنا في وارد تجاوزها على الاطلاق».
واعتبرت «أنّ اتهام «القوات» بالرهان على عامل خارجي، أو أنها تنفّذ أجندة خارجية على خط التأليف، هو اتهام سخيف، يتلطّى خلفه من يريد حكومة على مقاسه لكي يديرها كما يشاء ويقرر فيها ما يشاء». وقالت: «إنّ الكرة ليست في ملعب «القوات» بل في ملعب من يسعى الى الهيمنة على الدولة وقرارها، ومن يريد أن يَقتصّ من «القوات»، وهذا الامر نرفضه بالتأكيد».
ونُقل عن أحد وزراء «القوات» قوله: «من البداية قدّمت «القوات» كل التسهيلات لتوليد حكومة منسجمة بمكوناتها، ومراعية لنتائج الانتخابات، ومارست مقداراً كبيراً من الليونة في هذا الاتجاه، وعبّرنا عن ذلك بوضوح للرئيسين بري والحريري، وقبلاً لرئيس الجمهورية. أما غيرنا فقدّم التعطيل وما زال مُصرّاً عليه». واضاف: «تأخير ولادة الحكومة سببه الشروط التعجيزية التي يضعها الوزير جبران باسيل ومحاولاته المستمرة لتحجيم «القوات» و«الاشتراكي».
الراعي وابراهيم
من جهة ثانية، عرض البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي مع المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم لعمل جهاز الأمن العام في موضوعي ضبط الحدود اللبنانية - السورية ومسألة النازحين السوريين.
وتوافق الرجلان على «ضرورة الإسراع في تأليف الحكومة لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تضرب لبنان. وكان تشديد على وضع آليّة عملية تطبّق سريعاً لتأمين عودة النازحين السوريين الى بلادهم ليعيشوا بكرامة في ارضهم ووطنهم الأصيل، ولتخفيف ثقل العبء الذي يرزح تحته لبنان نتيجة تداعيات هذا النزوح».
مصادر كنسية
ولفتت مصادر كنسيّة الى أنّ الراعي «يشدّد في كل لقاءاته على مسألة حلّ أزمة النزوح، وفي هذا السياق أتى اللقاء مع اللواء إبراهيم الذي يتابع الملف وينظّم عودة من يريد من النازحين».
وقالت هذه المصادر لـ«الجمهورية» إنّ بكركي «تدعو مؤسسات الدولة الى القيام بواجباتها تجاه هذا الملف، وانّ البطريرك يرفع الصوت منذ سنوات مناشداً المجتمع الدولي التدخّل لوقف الحرب السوريّة وإعادة النازحين، وهذا الأمر كان مدار بحث بينه وبين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته الاخيرة لباريس».
وأكدت المصادر انّ بكركي «تثمّن نشاط الأمن العام واللواء ابراهيم في مجال عودة النازحين، لكن على المسؤولين القيام بعملهم وعدم إضاعة فرصة التوافق الأميركي - الروسي على إعادة النازحين».
علوش
وفي المواقف، اعتبر القيادي في تيار «المستقبل» النائب السابق مصطفى علوش انّ «استعجال التطبيع مع سوريا في هذه اللحظة هو لاستباق المرحلة المقبلة». وقال لـ«الجمهورية»: «عملياً، معالم حُكم بشار الاسد غير واضحة بعد، وشكل الحكم في سوريا يتم يتجاذبه بين 3 اطراف: اميركا وروسيا واسرائيل. وهي الأطراف الأكثر قوة على هذا الخط ، امّا الطرفان الثانويان فهما تركيا وايران.
وبمجرد ان تقبل ايران وبلا جدل الانسحاب لمسافة 85 كيلومتراً من مواقعها في الجنوب السوري قرب الحدود مع إسرائيل، يصبح الجيش النظامي هو حرس اسرائيل. ومعنى ذلك انّ هناك شيئاً جديداً في هذه المنطقة.
هل ستتحوّل قوات «الممانعة»، حرس حدود مثلاً لإسرائيل؟ هناك متغيرات كثيرة. والاستعجال اليوم هو لتثبيت قواعد، ولكسر هيبة أي حكومة ستؤلّف، خصوصاً إذا كان على رأسها الرئيس سعد الحريري واعتبارها عملياً تثبيت للانتصار المعنوي في هذا الخصوص».
ولم ير علوش «ايّ رابط بين مسألة استعجال التطبيع وتصريف المنتوجات اللبنانية او عودة النازحين». ولاحظ «انّ روسيا تقود عملية عودتهم، وليس النظام السوري، وروسيا لا تعرف حتى الآن كيف ستدير هذه العملية لأنها تتطلّب تمويلاً، والتمويل ليس من عندها بل هي تطالب اميركا بالتمويل ولا احد يدرك ما اذا كانت الاخيرة ستستجيب الطلب الروسي، وفي حال استجابت ووافقت على التمويل، فمعناه انها ستفرض شروطاً سياسية محددة، علماً انّ واشنطن لا تعتبر اليوم انّ العودة أولوية».
وعن خطوة الحريري في هذه الحال وإصرار «الطرف الآخر» على التطبيع، قال علوش: «الرئيس المكلف كان واضحاً، لا حكومة تطبّع مع النظام السوري، واما اذا اردتم عدم فرض هذا الامر عليّ تقبلون بالحكومة وبالطريقة التي اعرضها عليكم، وأي شيء آخر ليس موجوداً عندي».
واستبعد علوش ان يبدّل الحريري موقفه، مشدداً على انه «لن يقيم تسوية هذه المرة، ولن يذهب في هذا الاتجاه إلّا من ضمن تسوية كبرى تتعلق بتسوية إقليمية».
واستبعد «ان يكون خلف طروحات التطبيع محاولة لإحراجه فإخراجه، إذ يدركون انهم لا يستطيعون إخراجه من المعادلة. فعمليّاً لا شيء في الدستور يستطيع إخراجه من المعادلة، وإذا أرادوا الذهاب الى حكومة تحت راية «حزب الله» فلينظروا ماذا حلّ بتركيا وايران».