تعلمنا في كتب الجغرافيا أن النهر هو عبارة عن مياه عذبة صافية تستمد زرقتها من لون السماء، وكنا نستعمل اللون الأزرق للدلالة على وجود نهرٍ ما على الخريطة، أما ما لم نتعلمه في الكتب المدرسية تعلمناه في كتب الإهمال. إذ تحول نهر الليطاني إلى مشكلة بيئية على طول مجراه، وتغيّر لون المياه العذبة إلى البني المبتذل، ليصبغ المنطقة بلون جديد من الحرمان، والإهمال الذي لم تقتصر تداعياته على الكائنات الحية والمزروعات والآبار الجوفية، بل طال صحة المواطنين وعرّضهم ولا يزال يعرّضهم للمزيد من المخاطر الصحية والأمراض على طول 170 كلم تشهد على إهمال دولةٍ حولت نعمة الخالق إلى نقمة والنهر إلى وباء متنقل يقتل كل ما في طريقه من بشر وكائنات حية ومزروعات.
أعاد الإخبار الذي تقدمت به المصلحة الوطنية لنهر الليطاني بشخص رئيس مجلس الادارة المدير العام سامي علوية للنيابة العامة، مشكلة تلوث الليطاني للواجهة من جديد، إذ تدعي المصلحة على ملوثي الليطاني بأسمائهم بارتكاب جرائم تلويث البيئة المنصوص عنها في القانون رقم 77 الصادر في 13 نيسان 2018 قانون المياه وفي قانون حماية البيئة في لبنان رقم 444/2002 وفي القانون رقم 64/1988 المحافظة على النسبة ضد التلوث من النفايات الضارة والمواد الخطرة وفي المادتين 747 و 748 من قانون العقوبات، وهي الأسماء التي أرسلت فيها المصلحة كتب لكل من محافظ البقاع كمال أبو جودة، ووزيري الصناعة والبيئة في حكومة تصريف الأعمال، كون هذه المصانع مرخصة وممنوحة قرارات مهل من قبل الأخيرَين.
والأسماء هي:
شركة الانماء والتعمير للطرق المباني - توتية زحلة
شركة دياب غروب ش.م.م - توتية زحلة
نقولا جورج الوهبي - حوش الأمرا زحلة
شركة ميتا غروب لتجارة مواد البناء ش.م.م - بر الياس زحلة
شركة البيطار للتجارة العامة والنقل لصاحبها حاتم البيطار وشركاه - رعيت زحلة
شركة دار التجهيزات الهندسية ش.م.م - شمسطار بعلبك
شركة ميتالز اندستريز كومباني ش.م.ل - تعنايل زحلة
السيد عدنان ابراهيم رضا السيد - زحلة أبلح
وتؤكد مصادر مطلعة لـ"ليبانون ديبايت" أنها تنتظر ما ستقوم به النيابة العامة اليوم، علماً أنه يتوجب عليها بعد تقديم الإخبار أن تقوم مجموعة من قوى الأمن الداخلي بمساندة وزارة الصحة بالكشف على المصانع المذكورة في الإخبار، وإذا ثبت التلوث تتخذ قراراً إغلاقها. وتلفت إلى أن لدى المصلحة الوطنية لنهر الليطاني كل الجدية لمكافحة الملوثين، ولكن تبقى العبرة بالخواتيم، وكم هي الدولة قادرة على فرض هيبتها على المخالفين ولجمهم.
لماذ لم تتحرك المصلحة طوال السنوات الماضية؟ تجيب المصادر نفسها "لا حكومة ولا سلطة ولا وصاية لديها إلا على مجرى النهر وأملاك المصلحة، وكل ما تستطيع فعله هو الإخبارات وحث المعنيين على تطبيق القوانين وإنقاذ الليطاني من الكارثة المتأبطة به شراً". وتشير إلى فترة من الفوضى مرّت على المصلحة بسبب شغور في إدارتها، قبل تعيين المدير العام الجديد منذ 5 أشهر، والذي استفاد من خبرته القانونية الواسعة لسن العدد الأكبر من الإخبارات، التي تصل فيها عقوبة الملوث في بعض المواد إلى الاشغال الشاقة المؤبدة.
ولم تكتفِ المصلحة الوطنية لنهر الليطاني بهذه الإخبارات، بل أرسلت إنذارات لكل من بلدية سحمر بشخص رئيسها محمد الخشن، وبلدية يحمر (البقاع الغربي) بشخص رئيسها محمد علي عباس، وبلدية القليعة (قضاء مرجعيون) بشخص رئيسها حنا خوري، لوقف تحويل الصرف الصحي غير المعالج في هذه البلديات على مياه نهر الليطاني.
وفي هذا الإطار يتساءل رئيس بلدية القليعة حنا خوري "ماذا نفعل، هل نشرب مياه الصرف الصحي؟!"، ويؤكد في حديث لـ"ليبانون ديبايت" أن لا بديل لدى البلدية عن تحويل مياه الصرف الصحي على النهر، ولا إمكانية لديها لتنفيذ مشاريع تحل مشكلة الصرف الصحي في نطاقها البلدي.
ويشير إلى أن لدى البلدية مصافي تكرير متوقفة عن العمل منذ العام 2006، ولم يتم تصليحها حتى اليوم بالرغم من أننا راجعنا الوزارات والمؤسسات المعنية عدة مرات، "لا خيار لدينا إلا انتظار المشروع الموجدود لدى مجلس الانماء والاعمار الممول من الصندوق الكويتي، والذي يحل أزمة الصرف الصحي في كل من القليعة، دبين، برج الملوك، الخيام، مرجعيون وجزء من كفركلا".
وكذلك الأمر في بلدية سحمر، ويؤكد رئيس بلديتها محمد الخشن أن مشكلة الصرف الصحي من قبل الوجود الفعلي للمجالس البلدية في سحمر، "فلا إمكانية للبلديات المتعاقبة لحل هذه الأزمة، وقدمنا مشروع لحلها لوزير الطاقة السابق أرتور نازاريان، ورئيس مجلس الانماء والاعمار نبيل الجسر منذ سنوات، ولم يتم الاستجابة لمطالبنا بعد".