عاد الشارعيون الى الشارع من أهل الشتم والسبّ والذمّ والقدح ممن تربى أكثرهم على يديّ الأجهزة المختصة بإحداث الفتن ورعايتها حق الرعاية ولن يكون كلام الأمس آخر ما تفوح منه سموم الشرّ ولا أوّل ألسنة الفتنة الجديدة فالأمثلة تتسع لبائعين من ماركة الولدنة التي يعتمد عليها الكبار في إشعال الحرائق بأصغر عيدان الكبريت في رسالة واضحة الى أزمة التعاطي مع الحدود السورية و إعادة فتحها وصولاً الى الدخول في التفاصيل الصغيرة من قبل العسس السوري الذي لم يخف ثأر النظام من اللبنانيين فهدّد أحد جهابذته وتوعد اللبنانيين بالمرّ والشرّ .
بين التصريحات السورية المتهجمة على اللبنانيين وتصريحات لبنانيين سوريين مسيئة للبنانيين احتبس مناخ الإنفراج الحكومي وكان الدخان الأسود من المزرعة الى الدامور يكثف من حلقات الاختلافات القائمة بين القائلين بالسيادة والداعين الى الوصاية ويدفع بالرئيس المكلف الى الاحتياط من الذهاب بعيداً في تسوية ملغومة من شأنها أخذ البلد مجدداً الى الانقسام لشرذمة وحدة داخلية مركبة بتفاهمات حسّاسة والإخلال بها يعرضها الى التفكك وهذا ما بدا من خلال فك القُطب ما بين التيّار الحرّ و حزب القوّات وما بين تفاهمات بعبدا - قريطم وتبرأ التقدمي من دعم العهد بعد أن صادر الحرّ الحصّة الدرزية ورفض وضعها في يدّ زعيم الدروز وليد جنبلاط وحده دون النائب طلال إرسلان .
ما قاله مشعل نار الفتنة لا يعكس سوى صورة المشهد القائم داخل الطبقة السياسية وهي التي سهلت له النيل مباشرة من الرئيس سعد الحريري لأن زحمة الخلافات تفسح المجال أمام ساعي البريد كيّ يوصل رسالة الاخرين الى من يهمه الأمر من ضمن سيل من الرسائل السورية بعد أن تعافى النظام بأبر روسية و أصبح بإمكانه التوعد والعودة الى مزاولة مهنته في استخدام العصا السياسية و الأمنية ضدّ اللبنانيين .
ثمّة خيط واحد بين المتهجم على الرئيس بري وبين المتهجم على الرئيس الحريري في فترة واحدة وفي ظروف واحدة و لأسباب واحدة وسعياً وراء نتائج واحدة ولكن تجربة الرئيس بري المسنة مكنته من امتصاص ما اتهم به من فساد واستطاع الضغط على الشارع كيّ لا ينفعل فيكون المتطاول قد حقق مراده في حين أن الرئيس سعد الحريري لم يحسن ضبط الشارع الذي خرج عن طوع و إرادة الحريري الرافض لمظاهر الاعتداء على أمن البلد تحت أي سبب من الأسباب خاصة و أن أولاد الزواريب تفرحهم فوضى الشوارع لأنها تغذي أدوارهم في تعطيل لغة القانون لصالح لغات الشوارع .
خروج الأمس عن طور المسؤولية من قبل أفراد مكبوتة يُبرر لمن تطاول على رئيس الحكومة دوره ويمنح مهمته الجرعة المطلوبة للوقوع في فخوخ الفتن الداخلية لعودة الدخان الأسود مكان الدخان الأبيض بعد أن تناسى الجميع مشاكلهم وبرّدوا من سخونة اختلافاتهم واقتنعوا في ما بينهم بتعايش قسري لتقطيع المراحل هرباً من حسابات خاصة بكل طرف من أطراف السلطة في لبنان .
هل يسهم الدخان الأسود في استعجال الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سريعاً ؟ هل بدّد الدخان الأسود الدخان الأبيض في تشكيل الحكومة ؟ بين السؤالين يكمن توظيف دقيق لمرحلة يعاد فيها صياغة السلطة في لبنان وفق مشتهيات إقليمية ورغبات داخلية ستقلل من حظوظ ضرورة التفاهمات على الاختلافات لصالح بنية سلطة محتشدة خلف خيارات داخلية و إقليمية واحدة لذا لن تكون نتيجة السؤالين إلاّ إجابة واحدة مساهمة في دفع هذه البنية الى الأمام .