بعد معلومات عن عزم وزير الخارجية جبران باسيل زيارة موسكو نهاية الاسبوع الحالي، لفت المراقبين مسارعة الرئيس سعد الحريري لإرسال ممثله السياسي في روسيا جورج شعبان لمقابلة نائب وزير الخارجية بوغدانوف قبل وصول باسيل الذي، كما تفيد المعلومات، لم ينسّق رحلته مع رئيس الحكومة متخطّياً الأصول الدستورية التي تحتّم على وزير في الحكومة إبلاغ رئيس الوزراء ببرنامج عمله وملفّاته لاسيّما في الخارج، فكيف اذا تضمّنت ملفّاً شائكاً كملف عودة النازحين الذي تعهدت روسيا بمتابعته عبر تشكيل لجان روسية لبنانية.
وعلمت "الجمهورية" أنّ اللقاء بين شعبان وبوغدانوف استمر ساعتين، شرح خلالها شعبان حقيقة المواقف والعقبات التي تعترض ولادة الحكومة. ولم يطلب الحريري شيئاً من موسكو، غير معرفة آخر المستجدات في ملف إعادة النازحين السوريين الى بلادهم.
وأفادت مصادر ديبلوماسية "الجمهورية" بأنّ موسكو تَعي كل التفاصيل السياسية في الملف اللبناني، وانّ الشكاوى التي نقلها النائب طلال ارسلان والتي تحدث فيها عن عرقلة سعودية، وعن الميثاقية، لم تبدّل شيئاً في النظرة الروسية الى مسار الأمور في لبنان، كما انّ زيارة وزير الخارجية جبران باسيل الى موسكو لن تغيّر في تقييمها شيئاً، مؤكدة انّ الاتصالات بين القيادة الروسية والحريري متواصلة بشكل دائم.
امّا في ملف النازحين، والذي استأثر جزءاً كبيراً من محادثات شعبان وبوغدانوف، فقد أكدت موسكو استمرارها في مبادرتها على رغم عدم الوصول الى اتفاق مع الاميركيين والاوروبيين حول خطتهم.
وعلمت "الجمهورية" انّ فرق وزارة الدفاع الروسية تواصل المسح الميداني في سوريا من اجل إعادة النازحين.
لكنّ المصادر الديبلوماسية كشفت انّ مسؤول ملف النازحين في وزارة الخارجية الروسية هو في عطلة حتى أول أيلول المقبل.
أوساط تيار المستقبل اعترضت على أداء رئيس التيار الوطني الحر الأحادي في ملف عودة النازحين من البوابة الروسية، ضارباً عرض الحائط بالأصول "الحكومية التراتبية"، مؤكدة انّ ملف التفاوض الروسي اللبناني يجب أن يبقى بيد رئاسة الحكومة، وهي من تقرر مبدأ التفاوض وهي فقط تعيّن ممثّليها، الّا انّ الوزير باسيل، وبحسب ما تقوله تلك الأوساط، يصرّ ككل مرة على التفرّد والمبادرة باسم الحكومة اللبنانية، من دون تكليف منها، للسفر والتفاوض وعقد اللقاءات من دون الرجوع الى الرئاسة الثالثة.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى تشكّك مصادر مقرّبة من تيار المستقبل بثبات التسوية الرئاسية بين الحريري والعهد، والتي يَتّضح انها تتهاوى يوماً بعد يوم.
وما يشهده تيار المستقبل من تجاوزات لصلاحية رئاسة الحكومة هو إمعان في إفشال التسوية بسبب أداء البعض، لاسيما الوزير باسيل. ولا يمكن لأحد تجاهل هوّة الجفاء التي تكبر يومياً بين الرئيس المكلف وباسيل ولو حتى جاهرَ الطرفان بعكس ذلك.
فلماذا الاستياء؟
الأوساط المقرّبة من الحريري رأت في مبادرة باسيل هذه، إذا ثبت أنها غير منسّقة مع رئيس الحكومة، تسرّعٌ غير مدروس لاسيما في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها العلاقة بين تيار المستقبل والعهد، خصوصاً الوزير باسيل الذي تشهد العلاقة بينه وبين الحريري تأزّماً تصاعدياً لم تساعد مبادرات باسيل ولا تصاريحه بتذليله، بل بالعكس فقد زادته. فالجفاء بين الرجلين لم يبدأ فقط بتحذير باسيل الرئيس المكلف من انّ صبر اللبنانيين بدأ ينفد، وبأنّ المهلة المعطاة له لتشكيل الحكومة بدأت تنتهي بل باستعانة وزير الخارجية أيضاً بالنائب أمل أبو زيد مستشاره للشؤون الروسية، لإتمام ترتيبات زيارة باسيل الى موسكو ومواعيده هناك، من بينها لقاء بوغدانوف.
مصادر تيار "المستقبل" تنفي علمها بتنسيق مسبق بين الحريري وباسيل، وتستغرب تصرّف باسيل وإصراره دائماً على مقاربة الملفات الحساسة باستقلالية ومن دون الرجوع الى المرجعية المخوّلة دستوريّاً بقرار التفاوض أو الفصل، فيُسارع باسيل الى اتخاذ المبادرات السياسية غير المدروسة والتي يغلب عليها طابع التحدي واللامبالاة.
وتضيف أوساط تيّار "المستقبل" أنّ باسيل لا يبدو متّعظاً من تصرفاته الماضية، الأمر الذي يدعو الى التساؤل اذا كان باسيل معنيّاً فعلاً أو مهتمّاً بضرورة ديمومة التسوية الحريرية مع العهد.
إحتمال تنسيق؟
مصادر متابعة تستبعد اي تنسيق مسبق بين الحريري وباسيل قبل زيارة الاخير موسكو، بدليل انّ الرئيس الحريري استعجل مستشاره وممثله جورج شعبان لزيارة بوغدانوف موسكو واستطلاع آخر المستجدات بشأن ملف عودة النازحين وتشكيل اللجان المتفق عليها بين روسيا ولبنان. الأمر الذي يشير الى عاملين:
1 - إحتمال عدم تنسيق حريري - باسيلي والّا لماذا لم ينتظر ممثل الحريري "شعبان" وصول وزير الخارجية المتوقّع غداً للتشاور ومن ثم لقاء بوغدانوف سوياً ؟.
2 - مسارعة الحريري للقاء بوغدانوف بواسطة ممثله مُستبقاً وصول باسيل، وذلك للقول إنّ البوابة الروسية لنا، أمّا البوابة السورية فلن نَلجها ونتركها لكم.