معظم أهل الدولة في إجازة، أقله حتى منتصف الأسبوع المقبل. هذه الإجازة لم تنعكس على الكلام السياسي. في الوقت نفسه، ورغم تأكيد معظم السياسيين رفض خيار اللجوء إلى الشارع، كان لافتاً للانتباه نزول جمهور تيار المستقبل إلى الطريق الساحلي بين بيروت وصيدا وقطعه لبعض الوقت بالإطارات المشتعلة، وكذلك في كورنيش المزرعة (قرب جامع عبد الناصر)، احتجاجا على كلام صادر عن أحد الإعلاميين المحسوبين على فريق 8 آذار.
مهما سعى البعض إلى إبعاد «معركة رئاسة الجمهورية» عن معركة تشكيل الحكومة، فإن أحداً لن يتمكن من فصل الترابط الذي يقتنع به أكثر الضالعين في المفاوضات الحكومية، وأولهم رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري نفسه.
وفيما يلتزم الحريري الصمت حول تفاصيل العقد، هناك من يجزم في محيطه بأن العرقلة الفعلية لا تأتي من حزب القوات اللبنانية ولا من الحزب التقدمي الاشتراكي، بل من عند التيار الوطني الحر. المقرّبون من الحريري يعتقدون أن رئيس التيار الحر الوزير جبران باسيل يسعى إلى فرض إيقاعه على تشكيل الحكومة، «ليس لشيء إلا لحسابات مرتبطة بمعركة رئاسة الجمهورية».
ويزداد هذا الاقتناع ترسخاً في ظل اقتناع الحريري بأن من حق النائب السابق وليد جنبلاط الحصول على الحصة الدرزية الثلاثية، تماماً كما يتقاسم حزب الله وحركة أمل الحصة الشيعية الوزارية، و«التيار» و«القوات» معظم الحصة المسيحية، بالرغم من أنهما لا يمثلان كل المسيحيين، وكما يستحوذ هو نفسه على الحصة السنية، بالرغم من أن 10 من النواب السنّة ليسوا في تكتّله.
الأكيد أن السياسة، كما التشكيل، في إجازة، ربطاً بوجود عدد كبير من الوزراء والنواب والمسؤولين خارج لبنان. وقد كان لافتاً أن الوجهة المفضّلة لدى هؤلاء هي الجنوب الفرنسي، ولا سيما نيس وكان وموناكو، بالإضافة إلى وجهات بحرية أخرى كقبرص وتركيا. وحده رئيس الحكومة المكلف، الذي يتوقع أن يغادر بيروت قريباً، قد لا تكون وجهته سياحية بحتة هذه المرة، إذ درجت العادة أن يزور السعودية في عيد الأضحى، آملاً بصورة تجمعه مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، كما جرت العادة في السنوات الماضية.
إلى ذلك، فإن تطوراً وحيداً شهده مسار تأليف الحكومة، تمثّل في الزيارة التي قام بها رئيس «اللقاء الديموقراطي النائب تيمور جنبلاط (قبل أن يغادر إلى فرنسا) برفقة النائب وائل أبو فاعور إلى بيت الوسط، أول من أمس، حيث جدّدا التأكيد أمام الحريري على تمسّك «الاشتراكي» بحصة درزية كاملة. وحتى المحاولة التي جرت ليسمّي النائب أنور الخليل ابنه زياد لتولّي الحقيبة الدرزية الثالثة أجهضت في مهدها، مع قيام أنور الخليل نفسه بإبلاغ وليد جنبلاط أن الأمر غير مطروح، لا عنده ولا عند الرئيس بري.
في المقابل، فإن «القوات»، وخلافاً لما تردّد عن إمكانية قبولها التنازل عن الحقيبة السيادية مقابل أربع حقائب وازنة، أعادت مصادرها تأكيد موقفها المصرّ على الحقيبة السيادية قبل النقاش في أيّ أمر آخر، وهي أبلغت الأمر إلى الحريري الذي يبدي تفهّماً لموقفها.
كما يبدو، فإنه صار محسوماً أن سنّة «الثامن من آذار» لن يمثَّلوا في الحكومة، خاصة مع استبعاد أن يوزّر رئيس الجمهورية النائب فيصل كرامي من حصته، انطلاقاً من أن الأخير هو جزء من كتلة سليمان فرنجية النيابية (برئاسة طوني فرنجية)، وبالتالي فإنّ من المرجّح أن يسمي عون المصرفي فادي عسلي عن المقعد السنّي الذي بادله مع الحريري بمقعد وزاري ماروني سيكون من نصيب غطاس خوري.
في السياق نفسه، كشفت مصادر في التيار الوطني الحر لـ«الأخبار» أن كل ما قيل عن موافقة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والوزير جبران باسيل على أن تكون حصتهما في الحكومة الجديدة هي فقط عشرة وزراء «هو قول غير دقيق وغير واقعي ويطرح تساؤلات عن الجهة صاحبة المصلحة في تعميم معطيات كهذه غير دقيقة، خصوصاً أنه لا بعبدا ولا قيادة التيار الوطني الحر قد علّقا على هذه المعلومات»، وجدّدت القول إن التيار الوطني يترقب محصلة المشاورات التي يجريها الرئيس المكلف «حتى يبنى على الشيء مقتضاه».
«لعبة الشارع»
من جهة ثانية، وفي اختبار لم يكن عشوائياً للشارع في عدد من المناطق اللبنانية، نزل المئات من أعضاء ومناصري تيار المستقبل إلى الشوارع، وهم يحملون أعلام تيار المستقبل وصور الحريري، وذلك في معرض الاحتجاج على الكلام الذي قاله الإعلامي سالم زهران، أول من أمس، بحق الحريري، عبر شاشة «إم تي في» (برنامج الزميل وليد عبود)، حيث قال زهران حرفياً: «إذا بكرا محمد بن زايد شرّف على سوريا، وقال للحريري ابغاك تلحقني على سوريا. بيروح أو ما بيروح. بيروح و(...) على (...)».
وكان لافتاً للأجهزة الأمنية إقدام المحتجين على قطع أوتوستراد السعديات والدامور وكذلك كورنيش المزرعة في بيروت، حيث تم قطع الطريق بالإطارات المشتعلة لبعض الوقت، قبل أن تتدخل القوى الأمنية وتعيد فتح هذه الطرق.
وفي وقت لاحق، أصدرت الأمانة العامة لتيار المستقبل بياناً أوضحت فيه أن مجموعات من الشبان في بيروت والمناطق «أقدمت على إقفال طرقات وإشعال إطارات، استنكاراً لكلام نابٍ تلفّظ به إعلامي على إحدى الشاشات»، وأكدت رفض تيار المستقبل «استخدام الشارع وسيلة للتعبير عن الآراء»، ودعت «كافة المناصرين والمحازبين الى الامتناع عن اللجوء لأي تحرك يقطع الطرقات ويعطل مصالح المواطنين ويندرج في خانة مخالفة القانون، سيما وأن الاعتراض يتناول شخصاً ينطق عادة بصفاته وصفات المدرسة السياسية التي تلقّى فيها علوم الشتيمة والإساءة الى الكرامات، ولا يستحق إحراق عجلة واحدة في أحياء العاصمة والمناطق»