في مبادرة قد تشكل سابقة في تحديد مسؤوليات السلطات الرسمية تجاه مواطنيها، ادعت عائلة منصور على "بلدية رأس بعلبك وكل من يظهره التحقيق متورطاً" في مقتل كبيرة العائلة شهيرة منصور، السبعينية، التي قضت اختناقاً جراء السيول التي اجتاحت منزلها في 13 حزيران 2018، عندما خرج السيل من مجراه، وتسبب بفيضانات كارثية في بلدة رأس بعلبك.
الادعاء يؤكده لـ"المدن" زهير منصور، نجل شهيرة، الذي كاد يفقد شقيقه الأصغر في السيل، كما يقول، لولا بنية الشاب التي سمحت له بمقاومة سرعة الجرف، بعدما تمسك بباب البيت الحديد، فيما كانت والدته أضعف من أن تتحمل حجم السيول وقوة جرفها.
وقد قدم الادعاء، كما يوضح منصور، من طريق مكتب النائب السابق المحامي نوار الساحلي، وأودع لدى النيابة العامة والقضاء المالي، بعدما استكمل الملف بحجج مبدئية سمحت باستكماله.
يبنى الملف على أساس أن السلطة المحلية هي المسؤول الأول عن السلامة العامة في بلداتها. عليه، كما يقول منصور، كان يفترض بالبلدية التي حذر رئيسها في تصاريح تلفزيونية من الكارثة، أن تلجأ إلى إجراءات وقائية تحد من حجمها، خصوصاً أن البلدية، وفقه، تملك جرافة مقدمة لها من UNDP لهذه الغاية. وقد استعانت بها البلديات السابقة، التي كانت تلجأ إلى ازالة الردميات بعد كل سيل تقليدي يضرب البلدة، ولا تسمح بتراكم الردميات في أرضيته، إلى حد دفع السيل خارج مجراه.
يؤكد منصور أن "همنا ليس مادياً ولا نبحث عن تعويض عن الاضرار، توفيت والدتي اختناقاً بالمياه، ويفترض أن تحدد المسؤوليات وتحاسب الجهة المقصرة أياً كانت. قد يقول أحدهم إنه القدر، مع ذلك هناك جهة يجب أن تتحمل مسؤولية الاهمال. فليكشف القضاء من تسبب بذلك، ونحن تحت القضاء والقانون".
في رأي منصور، "البلدية بالمعطيات المتوفرة لديها كان يمكن أن تتدارك الأذى الذي لحق بالناس. فهي كانت واعية لوجود مشكلة، حتى أن رئيس البلدية تحدث عنها بعد السيل الثاني الذي ضرب المنطقة، محذراً من كارثة قد تلحق بالبلدة، من دون أن يلجأ إلى أي مبادرة". فيما يترك منصور للقضاء أن يبت مسألة المسؤوليات الأخرى التي تتحملها الوزارات المعنية، من دون أن يملك رؤية واضحة للمسار الذي يمكن أن تسلكه القضية، أو التعويض الذي يمكن أن يطالب به.
كانت شهيرة سيدة عاملة بكامل قوتها البدنية، "لم تأخذ حبة دواء واحدة. وكانت تقوم بالحمل وأكثر"، كما يقول نجلها. انشأت معملها الصغير لانتاج الالبان والأجبان البلدية في منزلها، وكانت تبيعها لزبائن محددين في البقاع وخارجه.
استطاعت العائلة أن تعيد منزلها إلى ما كان عليه قبل الفيضان، حتى قبل أن تفي الدولة اللبنانية بوعودها بتعويض المتضررين، والتي تجمدت حالياً عند مرحلة مسح الأضرار وتحديدها التي جرت بإشراف الهيئة العليا للإغاثة. إلا أن "ما لن نتمكن من استعادته، هو صوت الوالدة وحضورها الحيوي في منزلها". من هنا، ينفي منصور أي خلفيات سياسية أو انتقامية للشكوى المقدمة، رافضاً أن توضع في اطار تصفية حسابات انتخابية مع البلدية.
في المقابل، يأسف رئيس بلدية رأس بعلبك دريد رحال، الذي يقول إنه يتلقى تهجمات عائلة منصور على بلديته بشكل متواصل، أن يصل بها الأمر إلى الادعاء على البلدية، مع أنها كما يؤكد "ليست المسؤولة المعنوية عما جرى".
ويشرح رحال لـ"المدن" أن "المجاري المائية والنهرية من مسؤولية وزارة الطاقة والمياه، إلا أن الاشغال المنفذة في مجرى السيل في بلدته تحديداً قامت بها وزارة الاشغال. بالتالي، قد تتحمل الأخيرة مسؤوليتها أيضاً. أما البلدية فحتى لو أبدت استعداداً لتنظيف المجرى، تخاف أن تلحق ضرراً به، لأن ليس لدينا الخرائط ولا لدينا تصور للمنشآت الموجودة وكيف نفذت ولحساب من".
ويوضح رحال أنه "صحيح لدينا جرافة لتنظيف المجرى، إلا أن الجيش اللبناني اعادها بعد خمس سنوات من استخدامها في الجرد غير صالحة للعمل. ولسنا مخولين تنظيف أي مجرى إلا بموافقة وزارة الطاقة. وهذه تكلف مبالغ طائلة ليست من ضمن امكانيات البلدية. وأنا شخصياً كنت قد أرسلت قبل الحادثة كتباً إلى وزارتي الطاقة والاشغال وطالبتهما بتنظيف المجرى أو منحنا سلفة لننظف، لكن لم نتلق أي رد".
رد البلدية لا يقنع عائلة منصور المصرة على السير بدعواها حتى النهاية، "لعلها تكون سابقة تمنع السلطات المحلية والمركزية من الاستهتار بسلامة الناس وأرواحهم".