في الذكرى السنوية الــ12 لانتصار تموز 2006، ظهر التحدّي واضحاً في خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. الخطاب استند إلى قوة محور المقاومة وتغيّر قواعد الاشتباك لمصلحته في المنطقة. تضمن الخطاب رسائل عدّة إلى العدو الإسرائيلي الذي لم تعُد له اليد الطولى، لأنه يعرف أن أي اعتداء سيواجه بردّ قاسٍ. لم يكتفِ نصر الله بالقول إن المقاومة لديها كل المقومات التي تجعلها تردّ في كل زمان وأي مكان، بل ذهب إلى حدّ الجزم بأن المقاومة «أصبحت أقوى من الجيش الإسرائيلي». تناول «السيد» العقوبات على إيران واليمن وسوريا والعراق، قبل أن يتطرق إلى الملف اللبناني، ناصحاً الأطراف بعدم انتظار المتغيرات في المنطقة لتشكيل حكومة، لأن ذلك قد يرتدّ عليهم سلباً. وفي ردّ على كل المراهنين على شق الصفوف بين حزب الله وحركة أمل، أكد نصر الله أن حركة أمل وحزب الله اتخذا قراراً تاريخياً بأن يكونا معاً ويواجها المشاكل معاً وأن يتكاملا وجودياً.
 

 


في ذكرى نصر تموز، أطلّ الأمين العام لحزب الله السيد نصر الله عبر الشاشة على جمهور كبير احتشد ليل أمس في الضاحية الجنوبية. ومن المقرر أن يطل الأحد المقبل عبر الشاشة أيضاً على جمهور احتفال الهرمل المركزي، لمناسبة الذكرى السنوية الأولى لعيد التحرير الثاني (القضاء على المجموعات الإرهابية التكفيرية في الجرود الشرقية للبنان)، واعداً جمهوره بأنه «قريباً سنخرج منتصرين في هذه الحرب الكبرى في منطقتنا».
في بداية كلمته، انطلق نصر الله من قراءة أبعاد حرب عام 2006، فأشار إلى أن الحرب هدفت إلى تحقيق المشروع الأميركي الذي كان يقوده جورج بوش بعد احتلال أفغانستان والعراق ووصول الجيش الأميركي إلى الحدود مع سوريا والعراق وإيران. وقال: «حين فشلوا انطلقوا إلى خطة جديدة هو ما كنا نواجهه في السنوات السابقة. في 2006 كان الهدف القضاء على المقاومة عسكرياً أو من خلال فرض الاستسلام عليها، وهذا ما طُلب منا في الأيام الأولى. تسليم سلاحنا والقبول بقوات متعددة الجنسيات على الحدود مع فلسطين وسوريا وفي مطار ومرفأ بيروت، ما يعني تكريس احتلال جديد. ولو سقط لبنان، كان المشروع سيستكمل في سوريا وغزة، وصولاً إلى عزل إيران لضربها وإنهاء هذا المحور». ولفت إلى أن «صمود لبنان أسقط الخطة، وأجّل طموحات أميركا وإسرائيل لسنوات، وأوجد تحولات مهمة جداً عزّزت من قوة المقاومة». وذكّر السيد نصر الله بأنه «من 2006 حتى اليوم، إسرائيل مردوعة بعد أن كانت تأتي إلى لبنان لأتفه الأسباب، لا بل هي تعيد بناء نفسها في ضوء الهزيمة وتداعيات الهزيمة». وتابع بأن «لبنان يشكّل بالنسبة إلى إسرائيل قلقاً وتهديداً مركزياً تعمل عليه، وهي تختبئ خلف الجدران، وتعبّر عن مخاوفها على جبهتها الداخلية. وقد باتت تعمل حساباً للكهرباء والنفط والغاز والمستعمرات، لأنها تعرف أنّ في مقابلها عدواً قوياً وجدياً».
وأشار نصر الله إلى أنهم «منذ حرب تموز يراقبون المقاومة في لبنان، ومن ثم في سوريا، وقد وصل الأمر إلى وضع خطط دفاعية في شمال إسرائيل لمواجهة احتمال تحرير الجليل، حيث يقول ضابط كبير قبل أيام إن حزب الله هو الجيش الأقوى في الشرق الأوسط بعد الجيش الإسرائيلي»، قائلاً: «أنا لا أوافق على هذا التقييم، لكن هذا يعبّر عن نظرة الإسرائيلي لهذه المقاومة التي أراد سحقها في عام 2006». وشدّد على أن «المقاومة اليوم في لبنان بما تمتلك من سلاح وعتاد وإمكانات وقدرة وخبرات وتجارب، ومن إيمان وعزم وشجاعة، هي أقوى من أي زمان مضى منذ انطلاقتها في هذه المنطقة». وأوضحَ أننا «لسنا أقوى جيش في المنطقة بعد الجيش الإسرائيلي، لكن حزب الله أقوى من الجيش الإسرائيلي، لأن المسألة ليست مسألة إمكانات، بل تكمُن في إيماننا بحقنا الذي هو أقوى من إيمانكم في قضيتكم الباطلة، ونحن اليوم أكثر ثقة وتوكّلاً على الله».
ورأى نصر الله أنه في «السنوات السبع الماضية كان الهدف إسقاط سوريا، وإسرائيل هي شريك كامل في الحرب عليها، وقد أمّنت كل الدعم اللازم للجماعات المسلحة في الجنوب السوري، وصولاً إلى التدخل العسكري لنصرة هذه الجماعات»، وأشار إلى أن «الإسرائيلي كان يأمل أن تصبح دمشق عاصمة صديقة، لكنّ آماله ذهبت أدراج الريح. العالم ليس جاهزاً لمنحه الجولان، بل يقِف في الصف للحديث مع السوريين لأنه خائف. كان لديه أمل بسقوط الدولة ولم تسقط، وكان لديه أمل بانهيار الجيش السوري، فيما وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان يقول إن الجيش السوري سيعود قوياً أكثر من أي زمان مضى. كما أن وجود حزب الله وإيران فشل لإسرائيل، لذا فإن معركة الإسرائيلي اليوم هي منع إيران وسوريا من البقاء في سوريا». وأضاف: «من الوقاحة أن إسرائيل المهزومة تريد فرض الشروط على سوريا المنتصرة وحزب الله وإيران».
وتعليقاً على صفقة القرن، قال نصر الله: «هناك رأي يقول إن صفقة القرن سقطت، لكن أنا أقول إن الأمر يحتاج إلى المزيد من الدراسة، وإن صفقة القرن هذه تواجه مشاكل حقيقية، وفي حال كرّسنا المعادلات حينها ستسقُط هذه الصفقة». واعتبر أن «الأمر يعود إلى رفض الفلسطيني بالإجماع هذه الصفقة، إذ لا يوجد في فلسطين قائد يمكن أن يتحمل توقيع على صفقة تجعل القدس عاصمة لإسرائيل».
وأشار نصر الله إلى أن السعودية تعاني مشاكل كبيرة في الخليج والعالم، وهي تتدخل في الكثير من الساحات من سوريا والعراق واليمن ولبنان، وتحجز رئيس حكومته (سعد الحريري)، في حين أنها ترفض تدخل كندا، بالإضافة إلى الأزمات مع تركيا، وحتى في العالم الإسلامي تعاني السعودية، وصولاً إلى ماليزيا. وشدد على أن المحور السعودي يتراجع إقليمياً ودولياً، وصورة السعودية اليوم كيف أصبحت على الرغم من إنفاق الأموال الطائلة للقول إنها مملكة الخير، بينما هي أرسلت الجماعات الإرهابية إلى مختلف الدول، كيف هي صورة السعودية بعد الحرب على اليمن والأزمة الإنسانية هناك من التجويع والكوليرا؟ وأكد أن هذا المحور فشل في سوريا والعراق وفي دفع العالم لمحاصرة إيران وفرض العقوبات مع ترامب، وفشل في حربه على اليمن، «واليوم أقول من الضاحية لليمن، الذي قتلكم هو الذي قتل أطفالنا في قانا ولبنان، وهو الذي سفك دماءنا في لبنان. وكما انتصرت دماء أطفالنا ونسائنا في لبنان، ستنتصر دماء أطفالكم ونسائكم في اليمن».
معتبراً أن «تراجع السعودية عن تأييد صفقة القرن يعود إلى أنها أدركت أنها انتحار».
وفي ما يتعلق بالعقوبات على إيران، أشار إلى أن الأخيرة هي قاعدة القوة الأساسية في محور المقاومة، وهي وقفت مع سوريا والعراق ولبنان وفلسطين وموقفها واضح مما يجري في اليمن والمنطقة. وقال: «هم يعملون على العقوبات والإضرابات الداخلية، على أمل أن تؤدي إلى وضع اجتماعي واقتصادي يدفع الشعب إلى إسقاط النظام، ما يؤدي إلى إضعاف كل المحور». وشدّد على أن «إيران اليوم أقوى من أي زمن مضى، بل هي القوة الأولى، ولن يستطيعوا أن يمسّوا قوتها بسوء، والنظام قوي وثابت يحميه شعبه».
داخلياً، أبدى نصر الله أمله أن يؤدي الحوار إلى تشكيل الحكومة، مشدداً على «تجنب الشارع»، قائلاً: «دعوا الشارع على جنب ولنستمر بالحوار». ونصح من يؤجل تأليف الحكومة بعدم المراهنة على تطورات إقليمية، لأن «محورنا هو الذي ينتصر ونحن متواضعون، لكن في حال انتصر محورنا سيكون لنا مطلب آخر، وهذا من حقنا ولا يخدم مصلحة من تفشل رهاناتهم». ورداً على ما قاله الحريري أمس بشأن العلاقة مع سوريا، قال: «أنصح بعض القيادات التي نحن على خلاف معها بشأن العلاقة مع سوريا، أن لا يلزموا أنفسهم بمواقف قد يتراجعون عنها، لينتظروا قليلاً وليراقبوا سوريا وتركيا إلى أين لأنه في النهاية لبنان ليس جزيرة معزولة».


وفي موضوع ملف الفساد، أكد أن هذا المشروع جدي ولم يكن كلاماً انتخابياً، لكن ساعة الانطلاق هي عندما تتشكل الحكومة، لافتاً إلى أننا كما عملنا في المقاومة وبالتعاون مع حلفائنا، سنعمل برؤيتنا وتكتيكاتنا للتخفيف من الفساد ووقف الهدر المالي، وقال: لدينا منهج ورؤية، ولا نريد الانتقام من أحد أو فتح مشكل مع أحد.
وأكد نصر الله أن حزب الله وحركة أمل اتفقا على عدم السماح لأحد بتخريب العلاقة القائمة بينهما، وخاطب أهالي الجنوب والضاحية الجنوبية والبقاع، قائلاً إن «من يريد إنماءً يجب الحفاظ على العلاقة الإيجابية بين حزب الله وحركة أمل، وأي أمر آخر لا نريد الذهاب إليه، وأنا أعنيه، وبقوة»، وشدد على أن حزب الله وحركة أمل اتخذا القرار بالبقاء سوياً وبالتلاحم الوجودي بين الحزب والحركة، وعلى هذا الأمر قام الانتصار الكبير في تموز 2006، وسأل: من يستطيع إنكار الدور الكبير للأخ الرئيس نبيه بري في حرب تموز؟ وأوضح أن «الطريق للإنماء هو بالتعاون والابتعاد عن التشاتم والإساءة، وهذه البيئة التي كانت عنصراً بتحقيق انتصار 2006 ستكون عنصراً أساسياً في حسم أي معركة آتية».
وشدّد نصر الله على أن «هناك الكثير من الضغوط على الدولة اللبنانية لتسوية موضوع الحدود البرية والبحرية لمصلحة إسرائيل، لكن زمن فرض إسرائيل شروطها على سوريا أو لبنان انتهى، وهذا الكلام ثبّتته الوقائع على مدى عشرات السنين».