إن سلسلة من الأخطاء القاسية التي يرتكبها الرئيس الأمريكي تزيل عقودا من الجهود الدبلوماسية الأمريكية الصعبة
 

تسيطر الحالة المتوترة بين الولايات المتحدة وتركيا. لقد انحدروا إلى "حرب" اقتصادية تبعث على الصدمة، حيث تقوم الولايات المتحدة بفرض رسوم أعلى على الصادرات التركية، وتضرب تركيا بالليرة التركية المتدنية مقابل الدولار القوي. والنتيجة  هي تفاقم المصائب الاقتصادية التركية، وإنزعاج المستثمرين في الاقتصادات الناشئة على نطاق أوسع (بما في ذلك صناديق الاستثمار الأمريكية).

كما هو الحال دائمًا، هذه حرب اقتصادية بدون فائزين. والأمر المختلف هنا هو أنّها يمكن أن تثير تحولات جغرافية سياسية قد تكون أكثر ضررًا للأمن الغربي والسلام العالمي.

بالنسبة للعلاقات الأمريكية التركية، تقف اليوم عند أدنى مستوى لها منذ مئة عام. في حين تعتبر(أو كانت) تركيا مع المملكة العربية السعودية وإسرائيل، الحلفاء الرئيسيون الموثوق بهم من أمريكا في المنطقة – هذا الحلف الذي من المرجح أن يساهم في الاستقرار السياسي والعسكري، بما في ذلك كبح روسيا وإيران في الصراعات في سوريا والعراق.

لطالما اعتبرت أميركا تركيا على أنها مرساة لاستراتيجيتها في المنطقة، وشريكًا كعضو قديم في حلف الناتو. وهي الآن تخاطر بفقدان ولائها. بالنسبة للخطورة الحالية، سيكون انفصال تركيا عن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) كاملاً إلى درجة أنه سيتم دفع تركيا الى منافسها التاريخي، روسيا.. على الرغم من بعض التصعيد على مر السنين - بما في ذلك إطلاق النار على طائرة مقاتلة روسية من قبل الأتراك - بدأ الرئيسان إردوغان وبوتين تشكيل نوع من التحالف المحلي غير الرسمي، ووضعت العداوات القديمة حول البحر الأسود والمضيق جانبًا في الوقت الحاضر.
ان التحالف الأكثر بروزاً يتمثل في تعاون تركيا وروسيا مع إيران في جلب "السلام" إلى سوريا، مع المصادفة السعيدة بأن هزيمة داعش تعزز كل مصالحها الوطنية. في المقابل ، تتوقع تركيا، وتلقت فعلًا ، مساعدة من أصدقائها الجدد في سحق الديمقراطية الناشئة في كردستان .

في مقابل ذلك الثلاثي الجديد بين تركيا وروسيا وإيران، نجد التحالف الضمني بين أمريكا وإسرائيل والمملكة العربية السعودية، وترتكز علاقتهما على ما يبدو على القول المأثور القائل بأن عدو عدوي هو صديقي (على الرغم من أن علاقة الرئيس ترامب الشخصية مع الرئيس بوتين أكثر دقة وغموض).

هذان الكتلتان تتحاربان بالفعل في اليمن والعراق وسوريا، ويقابلان بعضهما البعض في جولة جديدة من القتال في لبنان. يمتلك كلا الطرفين رهانًا جانبيًا صغيرًا، مثل الإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر والبحرين. خطر أن هذه الصراعات المحلية يمكن أن تتصاعد إلى شيء أكثر خطورة مع اقتراب الميليشيات المدعومة من إيران من الحدود الإسرائيلية، على سبيل المثال، يزداد احتمال القيام بعمل مباشر من قبل الإسرائيليين ضد إيران.
إن إسرائيل، بعد كل شيء، هي قوة نووية غير معترف بها، ويمكن لإيران والمملكة العربية السعودية الحصول بسهولة على مثل هذه الأسلحة. إن تخلي الرئيس ترامب عن الاتفاق النووي الدولي مع إيران يدفعها بقيادة آيات الله الى اختبار صواريخ ذات رؤوس نووية، داعين إلى القيام بعمليات مضادة إسرائيلية.

من وجهة نظر الكرملين، لم يستطع الرئيس الأمريكي إعطاء روسيا المزيد من المساعدة فين حين اكتسبت روسيا، من دون جهد كبير من جانبها حليفين قويين - تركيا وإيران - يخدمان المصلحة الروسية بشكل جيد. وأمريكا القوية، اضحت أقل قدرة على حماية مصالحها الخاصة - بما في ذلك مصالح دولها العميلة في الخليج وإسرائيل.الخطأ يقع على عاتق الرئيس ترامب، لسلسلة من الأخطاء القاسية والقسرية التي أفسدت عقود من الجهود الدبلوماسية الأمريكية.

الواعظ التركي المعارض البارز، محمد فتح الله غولن، متقاعد عمره 77 عامًا يعيش في الولايات المتحدة طالبت تركيا بصوت عالٍ بتسلمه عدة مرات، لكنها لم تتخذ إجراءات إضافية ضد الولايات المتحدة لإيوائها الرجل الذي يعتقد أنه كان يخطط لتقويض الدولة التركية، أو على الأقل حكم أردوغان. كان هناك، قبل أن يفقد ترامب أعصابه، شعوراً بضبط النفس حول وضع الرهائن سياسيين. أن الرئيس ترامب يقامر بأمن أميركا وسلامها العالمي. إن العواقب ستكون قاتمة بالفعل، خاصة بالنسبة لأصدقاء أميركا المتبقين ومصالحهم الحيوية في الشرق الأوسط.

ترجمة وفاء العريضي

نقلا عن الاندبندنت