تلجأ معظم الدول الديموقراطية الى الانتخابات عندما تدخل في أزمة سياسية كبرى، وتحتكم الى النتائج التي أفرزتها صناديق الاقتراع لتأليف الحكومات والمباشرة في تنفيذ الخطط الإنقاذية وعدم البقاء في دائرة المراوحة.
أما في لبنان، فالوضع مغاير تماماً مع أنّ المسؤولين يتغنّون بأنّ بلدنا هو البلد الديموقراطي الوحيد في الشرق الأوسط وحتى في شمال إفريقيا. فبعدما احتفلنا بإجراء أول انتخابات نيابية منذ 9 سنوات بسبب التمديد المتلاحق للمجلس النيابي من دون سبب مقنع، ها هي القوى السياسية والأحزاب تختلف على تفسير نتائج الانتخابات وتقدير الأحجام والأوزان، فـ»القسطنطينية تنهار وزعماؤها يختلفون على جنس الملائكة».
وبالعودة الى الخلاف الحكومي، فإنّ العقدة الدرزية هي من أبرز العقد والتي تفوّقت في مكان ما على العقدتين المسيحيّة والسنيّة. والناظر الى المشهد كما هو، يرى أنّ المشكلة تُضخّم لتطال جوهر النظام وليس مسألة توزيع الحصص والحقائب.
ويشبه وضع النظام اللبناني ملف زراعة الحشيشة، فمعظم مزارعي البقاع كانوا يزرعون الحشيشة فتتلف الدولة قسماً بسيطاً منه، ويبقى المحصول الأكبر. وبالتالي لا يمكن القول انّ زراعة الحشيشة غير موجودة لكنها لم تكن مشرّعة.
امّا النظام اللبناني، فهو نظام فيدرالي يطبّق مفهوم الفدرالية وقواعدها كل يوم، لكن ما هو مكتوب مغاير للواقع، لأنّ الجميع لا يريد الاعتراف بهذا الواقع ويردد يومياً أنه نظام مركزي موحّد.
إذاً، فإنّ العقدة الدرزية هي سهلة المعالجة بقدر صعوبتها، وهنا يدخل «التيار الوطني الحرّ» بمغالطات كبرى عندما يقول إنّ الحزب «التقدّمي الإشتراكي» و»اللقاء الديموقراطي» لديهما 9 نواب فلا يحقّ له المطالبة بـ3 حقائب درزية.
والحقيقة مغايرة كثيراً لطرح «التيار» في حال اعتماد منطق الأخير وقواعد اللعبة التي حدّدها سابقاً وارتضى بها القسم الأكبر من السياسيّين اللبنانيين، فعندما اتفق «التيّار» مع «القوات اللبنانية» على ترشيح العماد ميشال عون رئيساً للجمهوريّة، كان عدد نوابهما 23 نائباً لتكتل «التغيير والإصلاح» باستثناء كتلة «المردة» التي رشّحت النائب السابق سليمان فرنجية، و8 نواب لـ«القوات»، أي انّ مجموع النواب المؤيّد لعون كان 31 نائباً، وقد خيضَت انتخابات 2009 وفق قانون «الستين» الذي كان مطلباً مسيحياً وقتها، وعندها قيل إنّ المسيحيين يريدون عون رئيساً للجمهوريّة نتيجة الديموقراطية التوافقيّة التي تفرض أن يصل الى السلطة من يملك التمثيل الأكبر عند طائفته.
ومن جهة ثانية، فإنّ نظرية الـ9 نواب لرئيس الحزب «التقدّمي الإشتراكي» وليد جنبلاط، والتي يجب أن تحدّد حجمه الحكومي، ساقطة في منظار الأعراف السياسيّة اللبنانية، فمجموع المقاعد الدرزية في لبنان هو 8 مقاعد، وهناك 6 لجنبلاط ونائب حليف هو النائب أنور الخليل، بينما ترك جنبلاط مقعدا درزيا في عاليه للوزير طلال إرسلان، فلو فاز إرسلان أو جنبلاط أو أي زعيم درزي بالمقاعد الدرزية الثمانية، هل يقال له إنّ حصتك وزيران لأنّ عدد نوابك ثمانية، وبالتالي يجب تخفيض حصة الدروز في النظام اللبناني؟
يدعو الجميع «التيار الوطني الحرّ» الى الانتباه لهذه النقطة التي كان يعاني منها المسيحيون، خصوصاً أنّ البلاد تعيش فيدرالية حقيقية وليست مقنعة، وهذه الفدرالية برزت خلال انتخاب رئيس مجلس النواب واتفاق الثنائي الشيعي على الرئيس نبيه برّي، كذلك في انتخاب عون رئيساً للجمهورية بعد «اتفاق معراب»، وتسمية رئيس الحكومة، واختيار الوزراء من كل الطوائف بالإضافة الى المدراء العامّين والموظفين في كل القطاعات.
من هنا، فإنّ التجاذب الذي يُخاض يتخطّى مسألة الأحجام ليصل الى جوهر النظام، فمن جهة لا يمكن القول إنّ الدروز لا يحقّ لهم بثلاثة وزراء وسنعلّق تطبيق الفيدراليّة على دوركم، ومن جهة ثانية لا يتجرّأ أحد على تشريع الفيدراليّة المشرّعة أصلاً وتستمر لعبة التكاذب، فكيف يكون الحلّ؟