على رغم أنّ الاطراف يشعرون انهم أصبحوا في الزاوية وأسرى الشروط المتبادلة، لا تزال عملية تأليف الحكومة تواجه صعوبات لم تتمكّن الحركة المتجدّدة التي قام بها الرئيس المكلف سعد الحريري من تذليلها وإعطاء دفع جديد لها.

ولكن حسب مصادر مطّلعة، فإنّ حركة الحريري هدفت الى أمور عدة:

الأمر الاول: نفي وجود عقبات خارجية تحول دون تأليف الحكومة، لأنّ إجماعاً ظهر، في الفترة الاخيرة، على انّ العقبات الداخلية صارت ثانوية امام اللعبة العربية والاقليمية والدولية.

الأمر الثاني: محاولة إشراك الثنائي الشيعي، من خلال رئيس مجلس النواب نبيه بري، في تذليل العقبات لأنه حتى الآن كان هذا الثنائي يتفرّج على عملية التأليف على أساس انّ هذه الصلاحية منوطة بالرئيس المكلف بالتشاور مع رئيس الجمهورية.

الأمر الثالث: محاولة إحياء العلاقة بين تيار «المستقبل» و«التيار الوطني الحر»، لكي لا ينحصر تحالف «التيّار الوطني الحر» مع «حزب الله» فقط.
والنشاط العلني الذي قام به الرئيس المكلف، وغير العلني، ترك للوهلة الاولى انطباعاً انه يمكن حصول خرق لأنه شعر انّ كل الاطراف تعلن انها تريد حكومة ولكن كلٌّ بحسب شروطه، فعادت عملية التأليف الى خانة البداية بانتظار جولة مشاورات جديدة تتواكب مع تطورات شرق أوسطيّة.

وعُلم في هذا الاطار انّ سوريا و«حزب الله» أبلغا المعنيين بضرورة احترام تمثيل أصدقائهما في لبنان. كذلك فإنّ الاطراف العربية الاخرى، وإن لم تضع شروطاً، أوحَت الى المسؤولين في الدولة اللبنانية بأنّ موقفها الداعم للبنان يتحدد بعد تأليف الحكومة ومعرفة مدى توازنها الداخلي والاقليمي.

وفي هذا الإطار حاول الرئيس المكلف في الساعات الـ48 الماضية جَسّ نبض رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط حول إمكان تنازله عن احد المقاعد الدرزية الثلاثة لغير النائب طلال ارسلان، فتبيّن انّ الموقف الجنبلاطي هو موقف نهائي وهو أبعد من المحاصصة إنما يمسّ بمسألة التمثيل الدرزي في لبنان والمنطقة، في المرحلة التي يتعرض لها الدروز إن في سوريا او إسرائيل لامتحانات جديدة مثل مجازر السويداء او هوية الدروز في اسرائيل، بعدما قررت الحكومة الاسرائيلية اعتبار اسرائيل دولة قومية يهودية.

وذكرت المصادر انّ الإتصالات لم تنته بعد وانّ باب المشاورات ما زال مفتوحا، وانّ لقاء مرتقباً مع جنبلاط قد يعقد في الأيام المقبلة علماً انّ لقاءات النائب وائل ابو فاعور واتصالاته مع الوزير غطاس خوري لم تتوقف.

وعلى جبهة «القوات اللبنانية» لم يحصل اي تغيير، لا بل يبرز شعور لدى «القوات» بأنّ المسألة أبعد من تحجيمها والحدّ من تمثيلها إنما إبعادها عن الحكومة، وهذا الأمر سيكون لـ«القوات» موقف منه هذا الأسبوع.

ومع كل هذه الاجواء، فإنّ الذين زاروا قصر بعبدا في الأيام الثلاثة الماضية لمسوا جوا تفاؤلياً بإمكان تأليف الحكومة في وقت قريب، غير انّ هذا الجو تنقصه الترجمة.

وقد جاءت التصريحات الاخيرة لتؤكد مختلف المعطيات الواردة أعلاه.

«القوات»

وقالت مصادر «القوات» لـ«الجمهورية» انه من الطبيعي ان يكون التركيز في هذه المرحلة منَصبّاً على لقاء الحريري ـ باسيل «لأنّ مَكمن العقدة الفعلية موجود لدى باسيل الذي هو مسؤول عن العقدتين المسيحية والدرزية، ومسؤول عن كل ما ظهر ويظهر من عقد تطفو الى السطح ومن ثم تعود الى الوراء، ويتحمّل مسؤولية إبقاء البلد من دون حكومة تواجه التحديات على اكثر من مستوى.

ونحن نتمنى ان ينجح الرئيس المكلف في إقناعه، لأنه خلاف ذلك سيبقى البلد من دون حكومة، وبالتالي التركيز يجب ان يكون على توليد الحكومة وليس على ما تبثّه مصادر باسيل بأنّ اللقاء مع الحريري جيد وممتاز. والى ذلك الحين، «القوات» متمسّكة بموقفها بالحصول على ما يجسّد حجمها التمثيلي، الكَمّي والنوعي».

«حزب الله»

واعتبر «حزب الله» بلسان نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم انّ «لبنان اليوم في الكوما بسبب عدم تشكيل الحكومة»، وشدّد على انّ تشكيلها «ضرورة ملحّة وقد تأخرت كثيراً، وعلينا الاسراع لإنهاء هذا التأخير.

وفي موقف لافت، اعتبر قاسم ان الحكومة ليست معبراً للرئاسة وقال: «الخطأ الكبير هو ان تتحول الحكومة الى مكاسب ومغانم وجوائز ترضية ورافعة سياسية للبعض»، مشيراً الى انّ «عدد الوزراء ليس عبرة، ولكن عندما تكون الحكومة معبراً للاستثمار السياسي من أجل البناء على مستقبل رئاسة الجمهورية ومن أجل البناء على بعض المحاصصات ومن أجل كسب الرأي الشعبي، فهذا خطأ كبير».

«الاشتراكي»

وقالت مصادر الحزب التقدمي الاشتراكي لـ«الجمهورية» انّ الحزب لا يزال يتابع عن كثب حركة الاتصالات السياسية التي يقوم بها الرئيس المكلف، وينظر اليها بإيجابية آملاً في ان تفضي الى نتائج قريبة مرضية لجميع الأطراف، بما يضمن ترجمة نتائج الانتخابات النيابية التي حصلت أخيراً في التمثيل الوزاري وقطع الطريق على القوى التي تريد الالتفاف على نتائج هذه الانتخابات، وإقصاء بعض الأطراف من حسن التمثيل الوزاري.

ويؤكد الحزب انه لا يزال على موقفه الثابت في ما يتعلق بتمثيله بثلاثة وزراء دروز، كما أصبح معروفاً». وكان النائب الاشتراكي هادي ابو الحسن قد أكد رفض الحزب المَس بحقوقه والتمسّك بـ«ثلاثيته الوزارية». وقال: «لن يتمكن أحد من إحراجنا لإخراجنا».

الراعي

وأكّد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أنّ «المسؤولين عندنا يسمعون كلمة أهوائهم ومصالحهم وربما كلمة الخارج من دون اهتمام بالخير العام وبمصالح الدولة». وسأل: «ما هو المبرِّر لتَعثّر تأليف الحكومة سوى المصالح الشخصية والفئوية وسجالات توزيع الحقائب على حساب الصالح العام؟ فيما هم يهملون الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتأزّم، من دون أيِّ مسعى لوضع خطّة إنقاذية؟

ويتعاملون عن العجز العام المتزايد، وقد قفز من 2,3 مليار دولار في سنة 2011 إلى أكثر من 6 مليارات في السنة الحالية 2018؟ ومع هذا، ما زالت مصاريف الدولة الى تزايد، وما زال النموّ الضريبي مخيّباً. ثمّ إنّ الوضع الاقتصادي الضعيف خضع لمحنة صعبة عندما تبنّت الدولة في صيف 2017 زيادة الضرائب والرسوم، الأمر الذي أضعف قدرة اللبنانيين الشرائية».

هل يزور الحريري بعبدا؟

وفي الوقت الذي غابت الحركة المتصلة بالتشكيلة الحكومية عن «بيت الوسط» وقصر بعبدا، ترددت معلومات مساء امس عن احتمال أن يزور الحريري قصر بعبدا في اليومين المقبلين فور انتهائه من جولة الإتصالات التي بدأها، والتي تنتظر ان تكتمل باللقاء المرتقب مع جنبلاط او من يمثّله بعدما التقى الوزير ملحم الرياشي يوم السبت موفداً من رئيس حزب «القوات اللبنانيّة» سمير جعجع.

ولم تؤكد مصادر قصر بعبدا لـ«الجمهورية» وجود اي موعد للحريري، «لكنّ أبواب القصر مفتوحة إن أراد ذلك، فقد اعتاد دولته ان يجري اتصالاً بفخامة الرئيس ويزوره ساعة يشاء».

وقالت مصادر وزارية قريبة من بعبدا لـ«الجمهورية» انّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يواكب الاتصالات الجارية، وتمنّى إعطاء الرئيس المكلف التسهيلات اللازمة للإسراع في التأليف. فالبلاد لا تحتمل التأخير، والاستحقاقات المقبلة دقيقة ومهمة ولا يمكن مواجهتها إلّا بحكومة كاملة الأوصاف».

وأوضحت «انّ المقترحات الأخيرة التي تقدّم بها عون ومن بعده قيادة «التيار» قلّصت من حجم العقدة المارونية او ما يسمّى بتمثيل «القوات»، وانّ ارتفاع عدد الحقائب التي يمكن إيكالها لهم من 3 الى 4 من بينها حقيبتان أساسيتان سيفتح الباب على التسوية بهذا الشأن.

لكن المشكلة باتت محصورة بالعقدة الدرزية التي، على ما يبدو، لم تتزحزح. وإنّ من تعهّد بالسعي الى هذه التسوية لم ينجح بعد او على الأقل لم يبلغ رئيس الجمهورية بالصيغة التي يمكن ان تؤدي الى تجاوزها». وأكدت «انّ حل العقدة الدرزية بعد المسيحية سيشكّل إشارة بالغة الأهمية لتزخيم العمل من أجل تشكيلة تُرضي الأكثرية وتكفل الحصول على ثقة مجلس النواب لاحقاً».