لم يُخفِ المرحوم عمي أبو منير بالرغم من " عسيرانيته " ( نسبة لآل عسيران الخصوم التاريخيين لآل الأسعد ) في نقاش سياسي دار بيننا منذ سنوات بعيدة، الرواية الإعجازية التي يتناقلها الجنوبيون عن بيت الأسعد، وتقول الرواية أن هذه العائلة العريقة التي تضرب جذورها في تاريخ جبل عامل ( آل الصغير ) وكيف أنها مُصانة من الفناء، وأنها محمية ومُحصّنة بالرغم من كل الظروف الصعبة التي يمكن أن تمرّ بها نتيجة مواقف رجالها
وكيف أن علي بك بن أسعد بن محمد بن محمود بن نصار من آل الصغير رجع إلى بلاد بشارة " جبل عامل " ( 1821) واستعاد زعامته بعد أن كان قضى إبراهيم باشا على عائلته وشرّد من شرّد منهم وقتل من قتل.
مناسبة هذه المقدّمة، هي ما أقرأه وأشاهده من أخبار من على صفحة الصديق وائل كامل الأسعد هذه الأيام، ونشاطاته ولقاءاته مع فعاليات وشخصيات في أكثر من قرية ومدينة جنوبية، وما أخبرني صديق مشترك ومتابع، عن حجم الحماسة والترحيب الذي يُستقبل به وائل من قبل جماعة " الأسعدية " مناصري والده الراحل دولة الرئيس كامل الأسعد .
وبعيداً عن رواية المرحوم عمي، فإن هذه الظاهرة تستحق التوقف والقراءة بتجرد، مع التأكيد هنا على حياديتي أو رأيي الشخصي بالموضوع، إلا أن هذا لا يمنعني من القول بأن الحالة الأسعدية في الجنوب هي ظاهرة فريدة، وأن تماسك الأسعديين إلى هذه اللحظة لهو أمر جدير بالملاحظة، وإن كان البناء عليه أو عدمه أمر من المبكر حسمه وهذا منوط بكيفية متابعة وائل ، وهل سوف ينجح في إعادة لمّ شمل هذا التيار أو لاء؟
لا يخفي صديقي " الأسعدي " أن هواجس كثيرة تحيط بالأجواء، وأن تجربة أحمد الأسعد الفاشلة والمكلّفة لهم هي حاضرة أمامهم ويخافون من إعادة نفس التجربة، فوائل وإن كان على خلاف عائلي كبير مع أخيه إلاّ أن هذه الخشية هي بسبب الوجوه نفسها، والأشخاص عينهم الذين كانوا إلى جانب أحمد وهم اليوم إنتقلوا إلى جانب وائل بعد أن أعلن الأول إعتزاله العمل السياسي بعد نتائج الإنتخابات النيابية الأخيرة والأرقام الصادمة التي حصل عليها .
قد أحسن الأستاذ وائل بالتوقيت، فنشاطه وزياراته هذه الأيام حيث لا إنتخابات ولا إستحقاقات مباشرة، تسمح له على عكس أخيه الذي كانت نشاطاته موسمية وإنتخابية فقط، يصبغ حراكه بطابع هو أقرب إلى الطابع العائلي الإجتماعي منه إلى الطابع السياسي والشخصي الزعامتي .
لا شك أن الثنائي الشيعي قد فشل فشلاً ذريعاً في تمثيل الشارع الشيعي إنمائياً وخدماتياً وهو المساهم الأول بما وصلت إليه حال الجنوب بشكل خاص ولبنان بشكل عام وهذا ما دفع بالسيد حسن نصرالله للتدخل الشخصي وإطلاق الوعود الإصلاحية ومحاربة الفساد الأمر الوحيد الذي منحهم أصوات الجنوبيين وإن كانت على حين غرّة. وكذلك هي حال المعارضة الشيعية التي تشظّت بعد الإنتخابات النيابية أيضاً، نتيجة سوء إدارة من تولوا المعركة الإنتخابية وجشعهم وقصر نظرهم.
يُضاف إلى ذلك تهافت ما كان يسمى باليسار والقوى الوطنية بسبب ارتمائها بأحضان حزب الله .
إقرأ أيضا : باخرة ع الزهراني أو قلوب ملياني!
الساحة الشيعية هذه الأيام متعطّشة لخلق تيار ثالث، ليس بالضرورة على خلفية العداء مع الثنائية الموجودة، بل لخلق جو تنافسي ولو بالحدّ الأدنى. يُضاف إلى ذلك الإحساس العميق بالترّهل والحرمان والفشل اللاحق بمناطق الشيعة، فما عادت شعارات حزب الله الكبرى تنطلي على الجنوبيين ولا أداء حركة أمل يُعبّر عن طموحهم ويرون فيه مستقبلهم، لدرجة صارت معها المقارنة بين واقع حال هذه الأيام وحال زمن ما يسمى " بالإقطاع " هو حتماً لمصلحة الأخير، وصار الناس في الجنوب وغير الجنوب يترحمون على ذلك الزمن الجميل.
وعليه فأسئلة كثيرة مطروحة هذه الأيام: هل سيستطيع الشاب وائل الأسعد إحداث خرق ما على الساحة الشيعية وتحريك المياهه الراكدة ؟ هل ستُشّكل القاعدة الأسعدية أساس متين يُبنى عليه لتيار ثالث مرتقب ؟ هل الحفاوة التي يتلقاها الأسعد الإبن هي حاجة جنوبية أو مجرّد حنين إلى ماضٍ لن يعود ؟؟ هل سينجح وائل حيث فشل أحمد ويُصبح هو الوريث الشرعي للعائلة الوائلية ؟؟ هل تصدق رواية عمي ؟؟
الأيام وحدها كفيلة بالإجابة .