لم يكن اللقاء الذي عقد بين الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري، مخصصاً للبحث في تشكيل الحكومة. وبالحدّ الأدنى، لم يحدد موعد الحريري في عين التينة لأجل البحث في تذليل العقبات لولادة الحكومة العتيدة، إنما لهدف آخر، هو عقد جلسة تشريعية تحت عنوان تشريع الضرورة. لطالما لوّح بري بضرورة إطلاق عمل مجلس النواب في جلسة عامة تشريعية، بعد جلسات اللجان النيابية المشتركة. ومنذ جلسة انتخاب رؤساء اللجان ومقرريها، وبري يسعى إلى عقد الجلسة التشريعية، على الرغم من أن هذا لا يحصل قبل تشكيل الحكومة.
أراد بري لقاء الحريري للتنسيق على عقد هذه الجلسة، لأن هناك كثيراً من القوانين الواجب إقرارها ولم يعد في الإمكان تأخيرها. لذلك، يندرج اللقاء في سياق التفاهم على عقد هذه الجلسة، وأن يختار بري الوقت الذي يراه مناسباً لعقدها. بالتالي، أراد التفاهم مع الحريري حرصاً على التوازنات والحساسيات في البلد، لجهة عقد جلسة تشريعية في ظل حكومة تصريف أعمال. إذ إنه، وفق النائب سمير الجسر، لا مانع قانونياً لذلك، ولكن تحرم الحكومة في هذه الجلسات حقها في إبداء الرأي في أي قانون سيقره البرلمان. والأهم من ذلك، هو أن التوافق بين الرجلين على حصر الجلسة بتشريع الضرورة، بعد الكلام الذي طرحه البعض بشأن عقد جلسة لمناقشة تأخير التأليف. الأمر الذي يعتبره الحريري استهدافاً له ولصلاحياته، ولا يمكن أن يوافق عليه.
ملف الحكومة كان الحاضر الأبرز، إلى جانب عقد الجلسة التشريعية. وقد ظهر تفاهم وإنسجام بين بري والحريري من حيث العناوين العامة، خصوصاً أن الرجلين أبديا الحرص على ضرورة الإسراع في تشكيل حكومة وحدة وطنية لا تلغي أي طرف ولا تسجّل أعرافاً أو مفاهيم جديدة. والأهم، وفق مصادر متابعة، أن بري أبدى تمسّكه بالحريري رئيساً للحكومة، رافضاً القفز فوق اتفاق الطائف والدستور، من خلال تكبيل الرئيس المكلف بشروط ومهل زمنية. ويأتي ذلك في سياق الردّ على الاقتراحات التي يختلقها البعض لجهة تحديد مهل زمنية أو الذهاب إلى توقيع عريضة من 65 نائباً لاسقاط تكليف الحريري. هذه كلها اعتبرها بري بحكم الساقطة ولا قيمة قانونية لها.
وقد أكد بري للحريري أنه وحزب الله لا يزالان على موقفهما الثابت، بضرورة الاسراع في تأليف الحكومة، مع امكانية مطالبة رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بتقديم بعض التسهيلات لإنجاز التشكيلة سريعاً. وتشير مصادر متابعة إلى أن حزب الله حتى الآن لا يزال على الحياد، ولا يتدخل في عملية التشكيل ولا في المشاورات الجارية. لكن المصادر لا تفصح إذا ما كان الحزب سيتدخل في الفترة المقبلة أم لا. وهناك جملة تساؤلات تطرحها المصادر إذا ما قرر الحزب التدخل، ولمصلحة من سيتدخل؟ الأكيد، أنه لا يريد للتيار الوطني الحر أن ينكسر، ولا يريد عزل النائب طلال ارسلان. بالتالي، ماذا سيكون موقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط إذا ما تدخل الحزب مطالباً بتوزير ارسلان، لا من موقع استفزاز جنبلاط، بل من موقع مقتضيات المرحلة الحالية وتعزيز حضور الحلفاء ضمن المحور الواحد داخل الحكومة. فهل سيتنازل جنبلاط أم سيبقى على موقفه؟ والأمر نفسه ينطبق على الحريري الذي سيتعرض لمزيد من الضغط من التيار وحزب الله وحلفائه، فهل هو قادر على الصمود على موقفه؟ لا أحد يملك إجابة، لكن الأكيد أن الوضع أصبح في مكان آخر، وتشكيل الحكومة يتعلّق باللحظة التي سيختارها حزب الله للتدخل وانجاز التشكيلة. وهذه، بلا شك، ستكون مرتبطة بجملة تطورات خارجية ومحلية.
في المقابل، يصرّ الحريري على عدم وجود أي عامل خارجي يعرقل تشكيل الحكومة، معتبراً أن ما يعرقلها هو الخلاف على الحصص. وأمل الحريري أن "تتبلور أمور إيجابية في اتجاه تشكيل الحكومة خلال الايام المقبلة"، لافتاً إلى أن "الجميع حريص على البلد. وهذا الحرص يجب أن يتبلور بالنتائج". واعتبر أنه سيزور عون عندما يصبح لديه شيء جديد، فيما وجه الحريري دعوة إلى باسيل لزيارته، وهذه لبّاها الأخير سريعاً. ووفق المعلومات فإن بري وحزب الله هما من عمل على إنجاز لقاء الحريري وباسيل، بعد نصائح عديدة تلقاها وزير الخارجية لزيارة الرئيس المكلف، بهدف تمهيد الطريق أمام اعادة التواصل، وعقد لقاء بين الحريري وعون.
وتكشف مصادر متابعة أن لقاء الحريري باسيل، لم يصل إلى أي حلول تفصيلية بشأن الحصص، إذ جرى التركيز على ضرورة استمرار التواصل والحفاظ على التسوية الرئاسية، وعدم وضع عرقلة تشكيل الحكومة في خانة الأزمة بين التيارين، بل حصرها في مكانها. وهذا ما رمى إليه باسيل، وفهم على أنه فخّ ينصبه للحريري، لينتزع منه موقفاً بأن العرقلة تتعلق بحصتي القوات والاشتراكي، ووضعهما في خانة معرقلي التشكيل. إلى جانب هذه الملاحظة، ثمة ملاحظة أخرى سجّلها متابعون، وهي ما طلبه باسيل من الحريري بأن يكون اللقاء بينهما على إنفراد وبدون أي شخص من مساعدي الحريري أو مستشاريه. وهذه قد تعتبر سابقة، ولا بد أنها تخفي أمراً معيناً أراد باسيل إبلاغه لرئيس الحكومة المكلف.