مواقف الأحزاب والميليشيات وزعماء العملية السياسية في العراق من العقوبات الأميركية على نظام ولاية الفقيه، وتباكيهم وتعاطفهم مع آثار العقوبات على المواطن الإيراني البسيط، تعيدنا إلى أوراق تلك الشلة من الحصار الدولي على شعب العراق وتبريراتها لاستمراره وتشديده، رغم أعداد الضحايا من الأبرياء نتيجة لنقص الغذاء والدواء، حتى إن بعضهم رأى في الخسائر البشرية الهائلة ثمنا مقبولا على طريق الحرية وأهداف إزالة النظام.
أوراق المعارضة “العراقية” لم تزل في الرفوف القريبة من ذاكرة العراقيين ومعاناتهم ومكابداتهم، بل إنهم يستذكرونها ويتعايشون معها بحكم الأثمان الباهظة لتكاليف الاحتلال لبلادهم ونهم زعماء الأحزاب الإيرانية ومن التحق بهم لامتلاك الثروات ومباهج قوة السلطة.
رئيس وزراء الحكومة، منتهية الصلاحية، حيدر العبادي وصف العقوبات الأميركية بالظالمة والخطأ الاستراتيجي، وأبدى تعاطفه البالغ وخشيته من تداعياتها على الإيرانيين؛ وهو كما يبدو أراد اللعب في الوقت الضائع من فترة حكمه على استرضاء الأحزاب والتيارات الطائفية المعروفة بولائها العقائدي والفكري للنظام الإيراني مع الميليشيات خارج الحشد أو المنتمية إلى الحشد بواجهتها السياسية في تحالف “الفتح” الانتخابي.
ومن جهة أخرى سعى العبادي لتقديم نفسه كرئيس وزراء مرشح بقوة، وذلك بالتزامه تنفيذ قرارات إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب رغم نقده لها؛ معتقدا وربما من خلال استشارته للمقربين في حزبه ومكتبه ومن لقاءاته أن بإمكانه الجمع بين الموقف الأميركي وميوله الإيرانية، وهي ميول ليست موضع شك، بما يكسبه جولة الرهان على التحالفات نحو الكتلة الأكبر في البرلمان والترشح لدورة ثانية لمنصب رئيس الوزراء.
تفاجأ العبادي من ردة فعل غاضبة من أطراف التحالف الطائفي ومن الميليشيات وبالذات من نوري المالكي زعيم حزب الدعوة الذي ينتمي إليه حيدر العبادي. الأمر أشبه بكمين تعثر فيه العبادي وانتهى به حيث لن تنفع كل استعداداته لتجاوز الخط الإيراني الأحمر الذي يمثله العراق بالنسبة إلى متعهدي المشروع الإيراني باعتباره ولاية خاضعة تماما لملالي قم وطهران، وليس من حق أي سلطة فيه إعلان موقفها ولو تحت سقف متطلبات الدبلوماسية وتوصيف استقلال الدولة العراقية وسيادتها على أراضيها ومواطنيها وما يتفق مع مصالحها.
نظام المرشد يدرك أن معظم دول الجوار والإقليم تتفاوت علاقاتها معه، وعدد من تلك الدول نالها الإرهاب الإيراني وآخرها التفجير في طاجكستان وإلقاء القبض على متهم تلقى تدريبه على يد الحرس الثوري؛ فأذربيجان تعاني من مشاكلها الحدودية والقومية المتجذرة في الصراع الداخلي بكلا الدولتين، وكذلك تعاني أفغانستان من مصائب الميليشيات الطائفية التابعة لولاية الفقيه وما يقدم من دعم وتدريب لحركة طالبان وكذلك باكستان بالمشاكل المستدامة، وتركيا بتجاذباتها الدولية وأزماتها الحدودية المتكررة مع الأكراد وحرصها على ميزانها التجاري مع إيران.
لذلك فإن التزام العراق بتنفيذ العقوبات الأميركية أو رفضها، تظل الحقيقة فيه كامنة بالاحتلال الإيراني، وإن كان القانون الدولي لا يعترف بهذا الاحتلال إلا أن الولايات المتحدة لا تغيب عنها أسرار التدخل الإيراني في العراق لأنها هي التي سمحت به وأطلقت للعملاء إمكانات التدمير والإبادة والإرهاب.
تم احتلال العراق من الباطن بالأحزاب الإيرانية تلافيا لمرافعات شكلية في القانون الدولي وما يتسبب فيه الاحتلال المباشر من إحراج للدول الكبرى والمنظمات الأممية؛ وما يدلل على الاحتلال أوجه التشابه التي تصل إلى حدّ التطابق بين ممارسات نظام الملالي في طهران وبين ممارسات النظام السياسي في العراق؛ إلا أن العراق أُريد له أن يكون منصة إيرانية متقدمة للمناورة مع العالم في قضية الإرهاب وبتوظيفه كأداة لتجاوز الإدانة والعقوبات مع واجبات حضور الاجتماعات العربية والدولية لطرح ما يخفف من الإجراءات أو يعطلها أو يخلط فيها الأوراق.
نظام ولاية الفقيه له ما يماثله في العراق، والميليشيات ومنها الحشد تؤدي دورها كذراع مطيعة للحرس الثوري وترفع رايات الفتنة الطائفية وصور الخميني وخامنئي مع صور المراجع المذهبية في العراق، والنظام في العراق يسخّرُ دماء العراقيين لخدمة مشروع ولاية الفقيه كما سفك نظام طهران دماء الإيرانيين طيلة 40 سنة من سلطة الملالي.
إن تبديد الثروات علامة فارقة في فساد النظامين وفي تجويع الشعب ونقص الخدمات والبطالة؛ حتى في التظاهر والاحتجاجات تحاول المرجعيات المذهبية كما رجال الدين ركوب موجة الغضب وتقدم نفسها كمصدر إلهام للثورة على الأداء الحكومي؛ وكما تفعل الأحزاب الطائفية وقادة الميليشيات عندما يعترفون بالفشل؛ وأيضا التشابه في إجراءات احتواء انتفاضة الشعوب الإيرانية وانتفاضة شعب العراق ببحثهم عن حلول فردية باستقالة وزير أو مدير مصرف أو إحالة ملفات قديمة إلى القضاء.
المرحلة المقبلة تشير إلى انتقال الصراع الأميركي الإيراني لاعتبار العراق مصدرا لتعويض الخسائر الأميركية عن تكاليف الاحتلال، مع ما يقابلها من مصادر ترميم للخسائر الإيرانية جراء العقوبات الأميركية، والبداية بتهديد الميليشيات لكل من ينفذ العقوبات في العراق من مسؤولين أو وزارات أو أفراد أو شركات أو مصارف، وبما يوفر القناعة بأن مفردة الإصلاح في النظام السياسي لا تتلاءم مطلقا مع نظام يعتمد على موروث الأحزاب الطائفية الإيرانية، إنْ في زمن المعارضة أو في زمن استلام السلطة بعد الاحتلال.
ليس بالغريب أن نراقب زيادة استيراد السلع الأساسية إلى العراق أو نفادها مع إقبال المواطنين على شراء المؤن وتخزينها ضمن سياسة الإيفاء بدين الأحزاب وحكومة الاحتلال لولاية الفقيه وحرسها الثوري، دون نسيان طول الحدود المشتركة بين إيران والعراق التي ستكون معبرا مفتوحا يتعدّى غايات كسر العقوبات.
لكن ما يجري من حصر الشعوب الإيرانية وشعب العراق في زاوية فقدان الأمل وفقدان الأعصاب له عواقب وخيمة على النظام في طهران ومقلديه في بغداد.
لذلك فإنه على حركات الاحتجاج التنسيق الضمني لأهدافهم المشتركة لإنقاذ مستقبل العلاقة بين مواطني البلدين وبين شعوب المنطقة أيضا، بتشكيل جبهة مقاومة مضادة تنتصر للحياة بالثورة على 40 سنة من تسلم جبهة الموت والفتنة السلطة في إيران.