المبادرة القواتية تجاه بعبدا انتجت موافقة الرئيس ميشال عون على إعطاء القوات حقيبة سيادية، لكن من كيس الرئيس الحريري، أي عملياً رفض إعطائها هذه الحقيبة، ولقاء بيت الوسط صدر عنه الأمر نفسه، واذا كان من المستحيل ان يعطي الرئيس الحريري وزارة الداخلية للقوات اللبنانية، واذا كان من رابع المستحيلات أن يعطي الرئيس بري القوات وزارة المالية، فإنه يمكن ببساطة القول انّ العقد لا تزال في مكانها، وانّ لقاء بيت الوسط أملته ضرورات تحريك الجمود وحاجة كل طرف لرفع مسؤولية التعطيل عن نفسه، والحاجة الماسة الى إعطاء صورة للمجتمع الدولي بأنّ البلد المأزوم باحتمالات اقتصادية ونقدية خطرة، لم يدخل في جمود الأزمة.
حسب مصادر متقاطعة يمكن تلخيص نتائج لقاء بيت الوسط بالآتي:
أبلغ الوزير جبران باسيل الرئيس سعد الحريري أنه ملتزم بنَيل حجمه الوزاري الكامل وأنّ حجم الآخرين المنتفخ هو سبب الأزمة، وأصرّ على نيل وزارتين سياديتين الاولى من حصة رئيس الجمهورية (3 وزراء) والثانية من حصة التيار، وترك أمر نيل وزارة سيادية للقوات على عاتق من يتبرّع بها من الأطراف الأخرى.
أبلغ الرئيس سعد الحريري الوزير باسيل أن لا أثلاث معطلة لأي طرف، وانّ حصة التيار مضافة الى حصة رئيس الجمهورية سقفها 10 وزراء، كما أبلغه التزامه بإعطاء القوات اللبنانية حقيبة سيادية، وبإعطاء النائب وليد جنبلاط الوزراء الدروز الثلاثة أو إيجاد مخرج شرط أن يحظى بقبول جنبلاط.
في قراءة المصادر انّ اللقاء بين الحريري وباسيل نتج عن حاجة متبادلة لتنفيس الاحتقان، فبعد الشحن الاعلامي والسياسي الكثيف الذي شهدته الايام الماضية كان لا بد من وضع قاطرة التأليف على سكة التبريد، فالطرفان يحتاجان لهذا التبريد، خصوصاً «التيار الوطني» الذي ذهب الى منطقة اشتباك مع الحريري بعد ان أوصل له رسائل بتحركات شعبية وبانتهاء فترة السماح، بحيث بَدا انه يتحمّل مسؤولية تعطيل تشكيل الحكومة، وهو ما لا يريده، فكان اللقاء الذي أعاد قنوات التواصل من دون ان يحدث تغييراً جوهرياً في المواقف.
أوساط «التيار الوطني الحر» أكدت أنّ «المعايير الواحدة» هي الطرح المقبول لحل العقد، وشددت على أنّ اتهام التيار بالسعي للثلث المعطّل لا اساس له، لأنّ حضور رئيس الجمهورية يُغني عنه. واشارت الى أنّ ادعاء القوات اللبنانية بأنها ضحّت بالتنازل عن نيابة رئاسة الحكومة مجرد مزايدة تفاوضية، لأنّ هذا الموقع هو في العرف لرئيس الجمهورية، ولأنّ التيار هو من ضَحّى به للقوات في الحكومة المستقيلة، إنسجاماً مع تحالف معراب الذي خرقته القوات والذي أصبحنا في حلّ منه.
ولم تستبعد الاوساط ان يكون لدى الرئيس نبيه بري قطبة مخفية في العقدة الدرزية لا يريد كشفها الآن، بانتظار حل العقدة المسيحية، وهذا ما يدفع بـ «القوات اللبنانية» للتشدد اكثر، لكن هذا التشدد يمكن ان يصبح معزولاً اذا ما فتحت حلول العقدة الدرزية.
في المقابل تُبدي أوساط «القوات اللبنانية» اطمئنانها الكامل لموقف الرئيس الحريري الذي أبلغ «القوات» بعد لقائه باسيل تعهّده بمنحها 4 حقائب من ضمنها حقيبة سيادية، وتنتقد الاوساط باسيل سائلة: من كَلّفه تحديد الاحجام؟ وكيف يسمح لنفسه ان ينتهك صلاحية الرئيس المكلف؟ وتضيف: الأرجح انّ باسيل سلّم بنَيل القوات 4 وزارات (من دون وزارة سيادية)، كي ينفّس الاحتقان الذي سببه أداؤه، وهو يريد ان يأتي رفض هذا العرض من «القوات» كي تتّهم بتعطيل تشكيل الحكومة، لكنّ «القوات» ترد على ذلك بالمزيد من التنسيق مع الرئيس الحريري الذي تعرف أنه وضع خطوطاً حمراً في عملية التشكيل لا يمكن لأحد تجاوزها.
وتختم الاوساط: يريد باسيل على الارجح تحقيق هدفين: إمّا إقصاء القوات عن الحكومة عبر إحراجها فإخراجها، أو أن تستسلم لشروطه. ولن يحصل اي شيء من هذا، فالقوات ستدخل الحكومة بحجمها الذي تستحق، ولا يعتقدنّ أحد بأنه يعيش وَهم الأحادية المسيحية، فهناك ثنائية توازناتها لا تحتاج الى تفسير.