مرّة يهوّلون بالشارع، وكأنه ملكاً لهم وحدهم، وان الآخرين لا شارع لهم يهددون به، ولا حول لهم، ولا طوال، وعندما ترتفع الأصوات منددة بالتهديد بالشارع، ويلوح البعض بشارعه يتراجعون عن التهديد بالشارع ليعودوا إلى لغة الرئيس القوي وإلى بدعة حصته في الحكومة العتيدة ليضمنوا الثلث المعطل، وبالتالي التفرّد والاستئثار بقرارات مجلس الوزراء لإكمال مسيرة العهد في الاستحواذ على السلطة بقوة الفجور السياسي وليس بقوة القانون والدستور ووثيقة الوفاق الوطني التي ألغت كل مفاعيل الدستور الذي كان سائداً ما قبل صدورها، وألغت بصورة نهائية مقولة الرئيس القوي الذي يقبض على الدستور وعلى صلاحيات السلطة الاجرائية من دون ان يكون مسؤولاً عن أعماله امام سلطة الرقابة والتشريع أي مجلس النواب، لتصبح السلطة الاجرائية في يد مجلس الوزراء مجتمعاً ولا سلطة لرئيس الجمهورية على الحكومة التي تحكم بثقة المجلس النيابي وحده من دون أحد سواه، حتى ان وثيقة الطائف، ألغت أي دور لرئيس الجمهورية أو تأثير على الحكومة بما فيها حضوره جلسات مجلس الوزراء التي يدعو إليها رئيس الحكومة، فجعلت هذا الحضور شكلياً واستثنائياً بحيث انه إذا حضر يترأس الجلسة، ولا يُشارك في التصويت على قرارات مجلس الوزراء التي هي بحاجة إلى تصويت.
إذن، من أين جاؤوا ببدعة الرئيس القوي، وما هي الغاية من هذه البدعة سوى «الصلبطة» والتسلط وايهام الآخرين بأن الرئيس القوي بإمكانه ان يتجاوز الدستور والقانون ووثيقة الوفاق الوطني ويمارس السلطة منفرداً كما كان الحال عليه قبل اتفاق الطائف حيث كان الدستور الفرنسي المعدل يعطي رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة تمكنه من القبض على كل مفاصل السلطة من دون ان يكون مسؤولاً عن أعماله وتصرفاته تجاه أي أحد، ومن هنا ظهرت نظرية الرئيس القوي وهو من يمارس هذه الصلاحيات، وقد انتهت ممارسة عدد من رؤساء الجمهورية الأقوياء لهذه الصلاحيات إلى اندلاع حرب أهلية لم تضع اوزارها الا بعد مرور نحو 15 سنة.
هذه العقلية التي تتحكم بالبعض، أي عقلية «الصلبطة» والتسلط تحت عنوان الرئيس القوي، للوصول إلى الإمساك بالسلطة، هي العقبة الكأداء التي ما زالت حتى الآن تحول دون تشكيل الحكومة، لأن ما من رئيس مكلف يقبل بهذه السياسة التسلطية التي تشكّل أكبر انقلاب على وثيقة الوفاق الوطني التي أنهت الحرب الأهلية. وإذا كانت اللياقة الدبلوماسية التي يتمتع بها الرئيس المكلف اقتضت منه بأن لا يقول الأمور كما هي منعاً لحصول تداعيات غير موضوعة في الحسبان والاكتفاء بالتلميح إليها كقوله على سبيل المثال «المطلوب شيئاً من التواضع»، فذلك من باب حرصه على صون التسوية الرئاسية من جهة، وعلى الاستقرار السياسي العام وعلى الاستقرار الأمني في البلاد.
والمطلوب اليوم قبل غد، وغداً قبل بعده، الإقلاع عن اسلوب التعالي والصلبطة والتسلط والانخراط الجدي في عملية تأليف حكومة تجسّد الوفاق الوطني الحقيقي، الذي يعطي كل ذي حق حقه ويحترم وثيقة الوفاق الوطني، وفي مطلق الأحوال فإن العودة عن الخطيئة فضيلة؟!