الإشكاليّة في مكان آخر. تحتاج لأكثر من جلسة مُصارَحة «وجهاً لوجه» لسحب فتيلها. المسألةُ أكثر تعقيداً من أن تُنزع ألغامُها في لقاءٍ ثنائيّ، قد تكون أولى أحرف أبجديته، صيغة جديدة للحكومة يحاول الحريري حياكتها لكي يُبعد لهب نار التعطيل من ملعبه، لكنّ قواعدها ثابتة لم تتغيّر عن الصيَغ السابقة التي جرى الاعتراض عليها.
لهذا يبدو أنّ الصورة المرتقبة بين الحريري وباسيل، ستحمل مؤشّرات حلحلة أو تسوية حكوميّة قريبة. أما الأسباب فكثيرة...
أولى تلك الأسباب وأهمها، رفض رئيس «الحزب التقدميّ الاشتراكيّ» وليد جنبلاط النقاش في أيّ تسوية تقتطع وزيراً من الثلاثيّ الدرزيّ لمصلحة رئيس «الحزب الديموقراطيّ اللبنانيّ» طلال ارسلان. المعادلة محسومة وفق «عدّاد» زعيم المختارة. ولا مجال للأخذ والردّ معه في استثناءاتها.
خلفيّاتها تتجاوز «الفيتو» الميثاقيّ الذي سيوضع في جيب «البيك» فيما لو رضخ الطبّاخون لـ«وصفته». في حسابات جنبلاط المسألة لها اعتبارات متّصلة بالبيت الدزري وخصوصيّته. القصة بدأت في خضمّ الفوضى الانتخابيّة، يومَ قرّر «التيّار الوطنيّ الحرّ» خوض معركة شرسة في عمق الجبل تقصّد خلالها، وفق الاشتراكيين، العمل على إحداث شرخ في البيت الدرزي، سواءٌ من خلال الخطابات التحريضية أو التحالف مع «المير» ضدّ المختارة.
صار «التدخّل» فاضحاً مع الإصرار على توزير إرسلان بشكل «فوقيّ»، كما يرى الاشتراكيون. أرقام الانتخابات أكثر من دليل حسيّ على اتّجاه الزعامة الدرزية، ولمَن صوَّت بنو معروف. وبالتالي، كلّ الحجج التي تُساق بنظرهم، لا تُقنع أبناءَ الجبل بالصيغة التي يريدها «التيّار الوطنيّ الحرّ» لتوزيع الثلاثيّة الدرزيّة.
ومع ذلك، لا تثير هذه «المعركة» انزعاج جنبلاط ولا تخرجه عن طوره، رغم ضوضاء القصف التوتري بينه وبين «التيّار الوطني الحر».
لا بل يقيسها الإشتراكيون بمقياس العصبيّة التي تشتدّ كلما اشتدّ الخطاب ضدّ سيّد المختارة. أن يأتيه الهجوم من خارج المحور الدرزي، فتلك هديّة مجّانيّة تقدَّم له على طبق من فضّة. وهذا يعني أنّ أبناءَ ملّته سيلتفون حوله أكان «ظالماً أم مظلوماً». ولذا تراه غيرَ مكترث للحملات التي تُشنّ ضدّه لا بل غير مبال للاتّهامات التي تُكال بحقه. وهو يدرك تماماً أنّ الصراع ضدّه يعني مواجهة الشريحة الأكبر من الدروز، ولذا يخوض معركته بأعصاب باردة جداً.
يقول الاشتراكيون: «نحن لا نزال في موقع الدفاع عن النفس، ولم نقرّر معارضة العهد. لقد كان جنبلاط صريحاً جداً خلال لقائه رئيس الجمهورية حين أبلغه بأنّ الحزب التقدّمي في صفّه ولم يغادر مربّع الدعم». ويؤكدون «لخيار المعارضة أوراق وعدّة مختلفة، ونحن لم نلجأ إليها ولم نستعِن بها».
المثيرُ للاستغراب، هو أنّ مضمون نظرية «منافع» الحملة ضدّ رئيس «الحزب التقدميّ الاشتراكيّ»، قيل في أكثر من مناسبة لقيادات من «التيّار الوطنيّ الحرّ»، ولكن من دون جدوى.
بهذا المعنى، يدير سيّد المختارة أذنَه الطرشاء للضغوطات التي تُمارس عليه من على المنابر ومنصّات التواصل الاجتماعيّ وتحمّله مسؤوليّة تعطيل الحكومة تحت عنوان احتكار التمثيل الدرزيّ. مرتاح لمسار التأليف رغمّ كلّ العقبات. وقراره واضح لا لُبس فيه: ممنوع اللعب في البيت الدرزي، وقرار التوزير في المختارة.
هنا لبّ المشكلة، وأساس الحلّ بالنسبة للاشتراكيين. أمّا غير ذلك فهو مجرّد غبار يعوّق الرؤية.
ولهذا يتردّد أنّ رئيس «الحزب التقدميّ» لن يضع بصمته على أيّ تسوية قد تأتي بوزير ثالث من خارج الحصّة الجنبلاطيّة، حتى لو حصل ذلك بعد التفاهم معه. المقصود هنا بالطرف الثاني من التفاهم، ارسلان.
يؤكّد الاشتراكيون أنّ «التفاهم لا يتجزّأ. إما يكون أو لا يكون». يشيرون إلى أنّ «المير» حسم خياره السياسي في المواجهة منذ الانتخابات، وبالتالي لا يمكن الانقلاب في لحظة لصياغة تفاهم حكومي محصور بمقعد فقط.
ومع ذلك، لا تزال الأسباب الحقيقيّة التي تدفع العونيين إلى تكبير حجر الأزمة مع بيك المختارة، غير مفهومة بالنسبة لراصدي هذا الخطّ. بالنسبة لهم أن يكسب باسيل تأييد جنبلاط، أو أقلّه أن لا يثير «خصومته المجّانية» أقلّ كلفة ممّا يحصل بنتيجة معركة المقعد الثالث.