فيما المشهد العام للحراك المتجدد في صدد تأليف الحكومة يوحي بوجود جدية لدى المعنيين لإيجاد مخارج للتعقيدات الماثلة، فإنّ مصادر مواكبة وصفت حركة الحريري بأنها «خطوة في مسار خطوات متعددة يُفترض ان تَتتابَع في هذا المجال». وقالت: «ما يجري يمكن وصفه بأنه محاولة إنقاذية لمسار التأليف الذي بَدا أنه تعطّل في الأيام الأخيرة جرّاء التناقض الحاد في المواقف، خصوصاً بين الرئاستين الاولى والثالثة».


وأكدت هذه المصادر انه «على رغم من الحيوية التي بدأت تدبّ بهذا المسار، فإنّ الامور تبقى في خواتيمها، خصوصاً انها امام محطات لا تخلو من أشواك، سواء في شأن العقدة المسيحية المتعلقة بحجم تمثيل «التيار الوطني الحر» وفريق رئيس الجمهورية، أو في ما يتعلق بتمثيل «القوات» نوعاً وحجماً، إضافة الى العقدة الدرزية التي لا تقل تعقيداً عن غيرها من العقد».


وأشارت المصادر الى «انّ عنوان الايجابية الاساس وكذلك عنوان السلبية، سيتبلور في ما يصل اليه البحث بين الحريري وباسيل في اعتبار انه يتناول «أُمّ العقد» المزدوجة، إن لجهة حصة «التيار» ورئيس الجمهورية التي لم تَحد عن المطالبة بـ 11 وزيراً خلافاً لما يتردّد من انّ هذا الفريق وافق على 10 وزراء، او لجهة عقدة «القوات» التي تصرّ على تمثيل وازن مقروناً بحقيبة سيادية، ما زالت حتى الآن موضع أخذٍ ورَد».


وعلمت «الجمهورية» انّ البحث بين الحريري وبري تناول كل العقد الموجودة على الخط الحكومي، وبَدا الحريري متحمّساً لتوليد تشكيلة الحكومة في أقرب وقت، ولديه الرغبة الكاملة في ان يفكّك الالغام الماثلة في الطريق وهو على هذا الاساس سيحاول تدوير الزوايا بالمقدار الذي يمكّن الحكومة من الولادة وبروح إيجابية.


وفي المعلومات انّ الحريري قد يزور رئيس الجمهورية في الساعات المقبلة ليقدّم له مسودة تشكيلة وزارية جديدة، إلّا انّ هذا الامر مشروط بتجاوب الاطراف واستعدادهم للتعاون «قدر الإمكان» في سبيل إنجاز هذا الاستحقاق في القريب العاجل.

مخارج للحل

وأشارت المصادر الى انّ ثمة مخارج لحل عقدة «القوات» تقوم على الآتي:

- إبقاء الوضع على ما هو عليه في الحكومة الحالية، بمعنى ان تتمثّل القوى السياسية بالحجم الممثلة به حالياً في حكومة تصريف الاعمال، وهذا مخرج قيد البحث.

- إسناد 3 حقائب خدماتية لـ«القوات»، وهو أمر ترفضه.

- إسناد 4 حقائب لها، 3 خدماتية ووزارة دولة وهذا ايضاً ترفضه.

- إسناد 4 حقائب خدماتية لـ«القوات»، وهو ما تردد انها قبلت به ضمناً مع الحريري من دون حقيبة سيادية ولا نائب رئيس حكومة.

- إعطاء 10 وزراء لفريق رئيس الجمهورية وهو أمر ما زال معقّداً حتى الآن في اعتبار انه يطالب بـ 11 وزيراً.

- إعطاء جنبلاط 3 وزراء دروز وهو ما يرفضه رئيس الجمهورية وفريقه، وسبق له أن أكّد رفضه استئثار طرف بتمثيل أي طائفة.

- إعطاء جنبلاط وزيرين درزيين وثالث مسيحي، وهو أمر ما زال قيد البحث من دون أن ينتهي الى توافق حوله.

- إعطاء جنبلاط وزيرين درزيين فقط، الأمر الذي يرفضه ويماشيه حلفاؤه في هذا الرفض.

الأشغال والصحة

لكن الى جانب ذلك، تبقى المشكلة الاساس في الحقائب الخدماتية التي ما زالت موضع أخذ ورد وبلا توافق على بعض الحقائب «الدسِمة» كوزراة الاشغال تحديداً. اضافة الى انّ الحديث مستمر همساً عن إسناد حقيبة وزارة الصحة الى «حزب الله». وفي هذا السياق، كشفت مصادر واسعة الاطلاع لـ«الجمهورية» انّ مراجع لبنانية سمعت من ديبلوماسيين اميركيين تحفّظاً مبدئياً عن إسناد هذه الحقيبة الى «الحزب». لكنها لفتت الى انّ الاميركيين اكدوا، خلافاً لما يقوله بعض الاوساط اللبنانية، أنّ واشنطن لا تتدخل ابداً في تأليف الحكومة لكنها تقارب هذا الملف من موقع المراقب لا أكثر، وهمّها هو استقرار لبنان حتى ولو كان «الحزب» داخل الحكومة.

الحريري

وكان الحريري شدّد بعد لقائه بري على «وجوب التحرك السريع لتشكيل الحكومة، نظراً للأوضاع الاقتصادية والاقليمية الصعبة»، وكرر نَفيه وجود تدخّل خارجي في التأليف، مشدداً على «أنّ المشكلة داخلية وهي مشكلة حصص»، وقال: «لقائي مع الرئيس بري كان إيجابياً، وهو مستعدٌ دائماً للمساعدة، وآمل أن تتبلور الأمور الإيجابية في اتجاه تأليف الحكومة خلال الأيام المقبلة».

«القوات»

واستغربت مصادر «القوات اللبنانية» دعوة «طرف سياسي موجود في السلطة وبقوة الى استخدام الشارع»، وقالت لـ«الجمهورية» انه أمر «مُستهجن ومستغرب ويَدلّ على خلفيات سياسية معينة أبعد من مسألة تأليف الحكومة، ويدلّ على أهداف مبيّتة يريد هذا الطرف تحقيقها فيما السؤال الاساس هو التظاهر ضد من؟ هل ستتم مثلاً محاصرة السراي الحكومي او مجلس النواب؟ هل سيقفل مثلاً وسط بيروت؟ هل سيُصار الى إقفال الطرق؟ لم نفهم صراحة ما المقصود من استخدام الشارع، خصوصاً انّ البلاد خرجت من انتخابات نيابية يفترض ان تكون نَفّست النفوس المشحونة وأعادت فرز القوى السياسية وأحجامها الفعلية، ويفترض ان تكون ساحات الدولة ومؤسساتها النيابية والوزارية والمؤسساتية هي المسرح الأساس للفصل والحسم والحكم في كل الامور وليس التهويل باستخدام الشارع. على كل، إنّ دعوات من هذا النوع لا تخيف احداً لأنّ لكل طرف شارعه، والطرف الذي يهوّل باستخدام الشارع يُدرك اليوم انه في حال ذهب باتجاه تحقيق دعوته، لن يكون هناك أي تجاوب لأنّ أولوية الناس تأليف حكومة وتجاوز عقد مصلحية صغيرة بخلفيات سلطوية واضحة من اجل الذهاب الى حكومة تؤمّن للناس شؤونهم الحياتية وتحدياتها... وبالتالي، بدلاً من التهويل بكلام من هذا النوع، يفترض بهذا الطرف ان يُقلع عن شروطه وسقوفه غير الموضوعية وشروطه العالية التي يُشتَمّ منها أنه يسعى الى حكومة اكثرية وليس حكومة وحدة وطنية، لأنّ من يريد حكومة وحدة وطنية يتنازل للوصول اليها على غرار ما فعلته القوى السياسية الاخرى التي تنازلت. ولكن من الواضح انّ هناك شيئاً أبعد من الحكومة سواء من خلال الكلام عن استعمال الشارع ام من خلال السقوف العالية التي لا دخل لها بالانتخابات وبنتائجها، ويُشتمّ منها انّ هناك نوعاً من وشوشة إقليمية بعدم تشكيل الحكومة بُغية توجيه رسالة الى الولايات المتحدة الاميركية وغيرها مفادها انه لن تؤلّف حكومة في لبنان الّا بمعايير إقليمية معينة. فرفع السقوف بهذا الشكل ليس بريئاً ويخفي ما يخفيه من خلفيات أبعد من تشكيل الحكومة، لأنه لو كان يريد حكومة لَما كان توقّف أمام «وزير بالطالع او وزير بالناقص»، بل كان ذهب في اتجاه تشكيل حكومة لكل البلد».


وأضافت هذه المصادر: «لقد بدأنا نشعر انّ رفع السقف خلفياته إقليمية وليست لبنانية، وهو تنفيذ لأجندة خارحية بعدم التشكيل من اجل التسديد لاحقاً في ملفات واستحقاقات أخرى، وهذا مؤسف جداً. الرئيس المكلف يحاول قدر المستطاع الحفاظ على الاستقرار والانتظام العام، ويجهد لفتح الابواب المغلقة وكسر حلقة الجمود ولكنه لا يستطيع، لأنّ رقصة التانغو تتطلّب طرفين. لا يمكن أن يبقى الرئيس المكلف منفرداً، هو يسعى بكل جهده، ولكن تجاوب «الطرف الآخر» معه غير موجود إذ انّ هذا الطرف يصمّ أذنيه ويضع الجميع امام معادلة: إمّا القبول بشروطه وإمّا لا حكومة، وواضح انه يريد إمّا حكومة بشروطه الاقليمية المطلوبة منه، وإمّا فتح البلد على نزاعات إقليمية بإسقاط سياسة «النأي بالنفس» وجَرّ البلد الى مهالك سياسية».

«الإشتراكي»

ومن جهتها، قالت مصادر الحزب التقدمي الاشتراكي لـ«الجمهورية» إنها تنظر بإيجابية الى حراك الرئيس المكلف الذي يسعى الى حلحلة العقد التي استولَدتها بعض الأطراف الهادفة للالتفاف على نتائج الإنتخابات النيابية الأخيرة، من خلال اختزال التمثيل الوزاري المُحقّ لبعض القوى، وفي طليعتها الحزب التقدمي الإشتراكي.


وثَمّنت هذه المصادر المواقف الإيجابية التي يعبّر عنها بري، ما يعكس حرصه على تسريع عملية التأليف. ودعت الأطراف المعرقلة الى الإقلاع عن «أسلوب محاولة مصادرة مواقع الآخرين ومنحها لغير مستحقيها».

«الوفاء للمقاومة»

واعتبرت كتلة «الوفاء للمقاومة» أنَّ «المهلة المفترضة لتشكيل الحكومة طالت»، ورأت «في التشكيل وإنجاز صيغة الحكومة، المدخل الضروري لمنع مخاطر الانزلاق نحو التوتر وللشروع في إقرار المعالجات الفورية للقضايا الحياتية الضاغطة، منها الدين العام والبطالة والركود الإقتصادي وإطلاق عمل المؤسسات».