إن من غير المؤكد أن تؤدي العقوبات الأميركية إلى إسقاط النظام، أو حتى إلى إجباره على تغيير سلوكه العدواني، كما دأب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ووزير خارجيته ودفاعه ومستشاره للأمن القومي، على تكرار ترويجه، ولكنها بالمؤكد، وبكل المقاييس والموازين، سوف تشغل النظام بأمنه الداخلي، وتستهلك كمَّا كبيرا من جهود أجهزته الأمنية ومؤسساته الدينية والاقتصادية لمنع الطوفان الشعبي المتصاعد من أن يتعدى حدوده المحتملة، وسوف تستنزف، وهذا هو الأهم، كمَّا كبيرا أيضا من المال المتوفر لديه لتعزيز قواته وتسليحها وتأهيلها، من جهة، ولإجراء إصلاحات اقتصادية ومعيشية ووظيفية، هنا وهناك، من جهة ثانية، لرشوة الشارع ولتهدئة خواطر الجماهير الغاضبة، ولو إلى حين.
وهذا وحده، بما سيجبر النظام الإيراني عليه من تقتير في شراء الذمم، في الداخل، وتقصير في تمويل وكلائه وميليشياته، في الخارج، إنجازٌ كبير لا بد أن يؤدي إلى وقف، أو تجفيف، مختلف نشاطاته العدوانية وتعدياته وإرهابه وحروبه التوسعية في الإقليم.
ورغم أن العقوبات، بكل أدواتها ودرجات قوتها، سوف تضيف آلاما جديدة إلى آلام الجماهير الفقيرة الإيرانية الواسعة، فهي أيضا ستُثبت لها أن فشل النظام في سياساته الخارجية هو الذي تسبب، في فشله الأكبر في سياساته الداخلية، بالضرورة.
وهذا ما سوف يضاعف نقمتها عليه ويزيدها اشتعالا وقوة، ويجعل مصير النظام أمرا داخليا يتولاه الشعب الإيراني وحده، ويبعد عن إيران وعن المنطقة شبح الغزو العسكري الخارجي الذي لا يعرف أحدٌ هل سيكون بردا وسلاما، أم لا يكون.
والظاهر أن العقوبات التي ستشمل في بدايتها المشتريات الإيرانية بالدولار، وتجارة المعادن، والفحم، والبرمجيات المرتبطة بالصناعة، وقطاع السيارات، مع إقدام واشنطن على تشكيل جبهة من 20 دولة لضمان تنفيذها وزيادة فاعليتها، أقلقت النظام، فعلا وحقيقة، حتى راح يهدد بعمليات يائسة بائسة لا تدل إلا على إفلاس وحماقة وعنجهية وغباء.
فتهديدات رئيس جمهورية إيران، حسن روحاني، وتأييد قاسم سليماني، ومباركة المرشد علي خامنئي، بغلق مضيق هرمز تُذكّرنا بتهديدات الراحل صدام حسين في حرب تحرير الكويت بحرق آبار النفط الكويتية، ثم بحرقها. فرغم أن أي قيمة عسكرية أو اقتصادية أو سياسية لم تكن لذلك الفعل الانفعالي الانتقامي، ولم يمنع عنه الهزيمة، وعن شعبه الخراب والدمار، فقد وفر لدول التحالف المبرر الكافي لاستخدام القوة المفرطة ليس ضد القوات العراقية المتواجدة في الكويت، وحسب، بل ضد الوطن العراقي ذاته، وقرّب نهاية الحرب، وأجلس النظام في خيمة صفوان لتوقيع وثيقة الاستسلام.
ويبدو أن القادة العسكريين الإيرانيين المتشددين، انطلاقا من معرفتهم اليقينية بأسرار البير الإيراني وغطاه، لم يجدوا ما يهددون باستخدامه لردع أميركا وحلفائها سوى غلق مضيق هرمز وعرقلة الملاحة في البحر الأحمر.
وهذا وحده دليل آخر على إحساسهم بجدية المخاطر التي تحيق بنظام الولي الفقيه.
ومجددا لا بد من التأكيد على أن مثل هذا الفعل الانفعالي الانتقامي، لو حدث، لن يضر أميركا وحلفائها إلا بأقل القليل، ولن ينفع النظام بشيء، بقدر ما سيكون المبرر الواقعي المشروع لاستخدام القوة العسكرية ضد مفاصل عسكرية مهمة للنظام، باسم الدفاع عن النفس والمصالح، وجره إلى مواجهات عسكرية لا يقدر على تكاليفها العسكرية والاقتصادية، خصوصا وهو في عز انشغاله الداخلي بإطفاء الحرائق في مدنه وقراه، ومنع الطوفان الجماهيري الغاضب من الإجهاز عليه وإسقاطه في النهاية.
أما مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، فقد أعلن بوضوح، في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز، أن غلق مضيق هرمز “سيكون أكبر خطأ ترتكبه إيران”.
والمتحدثة باسم البنتاغون، ربيكا ريبيرتش، قالت من جانبها إن “القوات الأميركية تعمل مع حلفائها في الخليج وباقي دول العالم للتأكد من تدفق التجارة والملاحة الحرة في كل المناطق في العالم، بما فيها مضيق هرمز”.
وأغلب الظن أن أميركا وحليفاتها العشرين تتمنى أن يجنَّ النظام الإيراني فيغلق مضيق هرمز لتكون هي القشة التي ستقتل البعير.
بالمقابل، تتجدد المظاهرات في العاصمة طهران ومدن إيرانية مختلفة لليوم السادس على التوالي، مع وقوع اشتباكات عنيفة بين الحرس الثوري والمتظاهرين.
وفي شارع انقلاب، وسط العاصمة طهران، هتفت مظاهرة حاشدة “الموت للديكتاتور”.
إذن، فالبحر من ورائهم، والعدو من أمامهم. أليس هذا هو الواقع الإيراني الجديد؟