العقدة ما زالت هي هي، وتتعلق بالحصص والاحجام، هذا ما أبلغه الرئيس نبيه برّي إلى النواب في لقاء الأربعاء، وكلامه هذا اختصر فيه كل ما يدور حول الملف الحكومي العالق منذ ثلاثة أشهر ويزيد بين بعبدا وبيت الوسط والمرشح لأن يستمر معلقاً على شماعة عقد المحاصصة بضعة شهور أخرى وربما أكثر من ذلك بكثير ما لم يتواضع المعنيون بالتأليف على حدّ آخر كلام للرئيس المكلف ويسهلوا مهمته التي يقولون عنها أنها ضرورية نظراً للمهمات الكثيرة التي تنتظر حكومة العهد الأولى وأولها معالجة الوضع الاقتصادي المتردي ليقف على رجليه كما يقول المثل اللبناني المعروف فضلاً عن الإجراءات المطلوبة من هذه الحكومة لحصول لبنان على المنحة الدولية التي أقرّت مبدئياً في مؤتمر سيدر الذي عقد قبل ان يكلف مجلس النواب الرئيس سعد الحريري تشكيل حكومة جامعة تتولى تلبية الشروط التي وضعها المجتمع الدولي لحصول لبنان على الهبات والمساعدات المالية التي من شأنها أن توقف الانحدار الاقتصادي والمالي، وتخفف من الأعباء التي يرزح لبنان تحتها.
وبالتوازن مع هذا كلّه، فإن الظروف الإقليمية المحيطة بلبنان، والتطورات المتسارعة في سوريا ورغبة رئيس الجمهورية المعلنة أكثر من مرّة، وفي كل المناسبات في تحقيق قفزة نوعية في البلاد خلال ما تبقى من عمر عهده تترك آثاراً إيجابية وفي مقدمتها الإصلاحات الإدارية ووضع حدّ للفساد المستشري منذ أكثر من 27 سنة كما يقول رئيس الجمهورية، والتخفيف من أعباء الديون المتراكمة والتي ستصل قريباً إلى ماية مليار دولار أميركي.
إن ذلك كلّه، يُشكّل حافزاً للمعنيين بتشكيل الحكومة إلى بعض التضحية للإسراع في عملية التأليف وإخراج البلد من هذا الجمود القاتل الناتج عن دوران هؤلاء المعنيين داخل حلقة مفرغة رغم معرفتهم التامة بأن الوقت يمر بسرعة وهو ليس لمصلحتهم ولا لمصلحة البلد بشكل خاص الذي يعاني من سلسلة من الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية بالغة الخطورة في حال لم يسارع الحكم إلى تقديم العلاج السريع وفق خطط تضعها حكومة يتفق عليها كل الأفرقاء السياسيين والحزبيين المعنيين مباشرة بأمور البلاد والعباد.
والسؤال الذي يطرح نفسه امام هذه الأزمة التي ركز عليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي هل ان هذه الأزمة تعود لأسباب خارجية كما روّج مؤخراً فريق الممانعة المرتبط بحزب الله وبالنظام السوري والمقصود بذلك المملكة العربية السعودية، أم النظام السوري كما قال أحد أركان هذا الفريق، أم انها أزمة داخلية بحتة مردها إلى ان فريق رئيس الجمهورية يضع العراقيل امام الرئيس المكلف لإجباره في نهاية المطاف على القبول بتشكيل حكومة من الأكثرية التي تحدث عنها قبل بضعة أشهر الجنرال الإيراني قاسم سليماني وبذلك يمسك العهد وحزب الله وفريق الممانعة بالسلطة بقبضة حديدية.
الرئيس برّي اختصر الإجابة على هذا السؤال بقوله بأن التدخل الخارجي إذا ما وجد فإنه بسبب استمراره من الداخل، وهذه الإجابة المختصرة تكفي للدلالة على ان الأزمة داخلية بحت، وبنتيجة تمسك البعض بطروحات لا تخدم مسيرة الوفاق التي يعمل لأجلها الرئيس المكلف وتكشف في الوقت نفسه عن المعرقلين الحقيقيين لمهمته، وليس بعيداً عن هذا التوصيف الذي استخدمه رئيس مجلس النواب للأسباب الكامنة وراء التعثر الحاصل في تأليف الحكومة عن تلميح مصادر سياسية على صلة بالاتصالات والمشاورات الجارية إلى ما صرّح به رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال إلى انه يرفض أية حكومة تتمثل فيها كل الأطراف السياسية بالرغم من تناقضاتها فيما بينها لأن النتيجة ستكون حتماً سلبية على العهد لأن هكذا حكومة متناقضة لا يُمكن حسب زعمه ان تنتج وان تواكب العهد فيما يتوق إليه من إصلاحات جذرية تطاول بنية الدولة وهيكليتها الحالية القائمة على المحاصصة والفساد والزبائنية، وهذا يعني ان رئيس التيار الوطني يخطط من وراء تصلبه في مواقفه وشروطه للوصول إلى حكومة الأكثرية التي تشكّل حسب رأيه رافعة للعهد، وتكون بالفعل لا بالقول حكومته الأولى.