إذا كان اللبنانيون ما زالوا ينتظرون قيام الحكومة التي وعد العهد بأنها ستكون حكومته الأولى التي تحارب الفساد وتوفر فرص العمل لآلاف الشباب، وتسد أبواب هجرة الأدمغة واليد العاملة إلى الخارج بعد ان ضاقت بهم سبل العيش في وطنهم الأم، وإذا كانوا ما زالوا يراهنون على ان هذه الحكومة ستعيد بناء الاقتصاد الوطني المنهار على أسس سليمة ومتينة بحيث يتحقق النمو المطلوب، وإذا كانوا ما زالوا يراهنون على انها ستوقف هدر المال العام والاستنزاف المستمر لكل موارد والدولة، إذا كانوا ما زالوا على هذه الحال، فإن الوقائع المعلنة تبشر بأنهم سينتظرون طويلاً من دون ان يتحقق شيءٌ مما يأملون به، ذلك لأن أزمة التأليف ما زالت طويلة وطويلة جداً في ظل السياسة المعتمدة حتى الآن من قبل العهد وفريقه التيار الوطني الحر وحزب الله وفريقه في قوى الممانعة والتي تقوم على أساس الاستئثار أو التفرد بالحكومة العتيدة، وبكل قراراتها من خلال الحصول على ثلثي عدد أعضاء الحكومة أو على الأقل الحصول على الثلث المعطل الذي يعطي هذا التحالف سلطة التحكم بالمسار الحكومي، وما المواقف السلبية التي اتخذها التيار الوطني الحر من الاقتراحات التي قدمها الرئيس المكلف لتشكيل حكومة وفاق وطني تكون متوازنة وتتمثل فيها كل الأطراف السياسيين وفق حجمها التمثيلي الحقيقي الذي أفرزته نتائج الانتخابات النيابية إلا أوضح دليل على ان هذا التيار الذي يمثل العهد يخطط للاستئثار والتفرد بالحكومة، فضلاً عن دخول حزب الله مؤخرا على الخط من باب اتهام المملكة العربية السعودية بعرقلة تأليف الحكومة ليظهر في نفس الوقت انه الأقوى في اللعبة السياسية الداخلية، ومن حقه الشرعي ان يتمثل بقوة في الحكومة العتيدة، وهو يقصد بذلك حصوله وحلفاءه على الثلث المعطل أو على أكثرية الثلثين كما تريد ربيبته إيران وفق ما عبّر عنه قاسم سليماني بأن الحزب فاز بالانتخابات النيابية بشكل ساحق وهو يحظى بأكثرية 74 نائباً في المجلس النيابي الجديد المؤلف من 128 نائباً.
ولم يعد سراً ان الرئيس المكلف بات يُدرك جيدا الأسباب الكامنة وراء استمرار التعثر في تأليف الحكومة العتيدة، ما حمله عن تجميد نشاطه واتصالاته على صعيد التأليف لكي يتحمل المعرقلون المسؤولية ويدركوا المخاطر التي تنجم عن الأوضاع العامة، وعلى العهد الذي وعد بتغيير الحال القاتمة إلى ما هو أفضل، فهو على صواب ولا يُمكن لأحد ان يتهمه بالتقصير الذي أدى إلى إطالة عمر أزمة تأليف الحكومة التي بموجبها تكتمل عقد تكوين السلطة التي يفترض ان تشكّل الدعامة الأساسية لانطلاقة العهد الذي وعد اللبنانيين بالاصلاح والتغيير وتعهد لهم ببناء دولة عصرية متقدمة لا ينخرها سوى المحاصصات والزبائنية، ولا يتفشى فيها الفساد والمفسدون، ولا تكون أسيرة التجاذبات الخارجية كما هو واقع الحال من خلال تدخل حزب الله في الشؤون الداخلية للدول العربية تنفيذاً لرغبة ربيبته إيران وتمسكه بسلاحه وبالتفرد بالسلطة ولو كان ذلك بغطاء من السلطة نفسها، وخلاصة كل ذلك هي ان العهد ومن معه يدورون في حلقة مفرغة لن تؤدي في نهاية المطاف الا إلى خراب البصرة على رؤوس الجميع.