قرار صدر في بيان بـ«منع الاشتباك تحت أي عنوان»
 

طوّقت قيادتا حركة «أمل» و«حزب الله» الخلافات التي عصفت بجمهوريهما في الأيام الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، على خلفية رفض «أمل» استقبال باخرة الكهرباء التركية في معمل الزهراني (جنوب لبنان)، وتناغم «حزب الله» والتيار الوطني الحرّ لجهة الاستفادة من توليد الطاقة عبر البواخر، مقابل رفض حركة «أمل» لهذا الخيار، وإصرارها على إنتاج الكهرباء من المعمل الحراري بعد ترميمه وتحديثه.


التراشق الكلامي الحادّ بين مناصري الطرفين، والخوف من تجييش الشارع نحو مواجهة تتخطى الكلام والتعبير عن الرأي، استدعى اجتماعاً طارئاً عقد مساء الاثنين بين ممثلين عن قيادتي الثنائي الشيعي في جنوب لبنان، جرى خلاله التأكيد على «القرار الاستراتيجي الذي يمنع الاشتباك تحت أي عنوان، والإسراع بمعالجة أي خلاف ضمن الآليات التي تعتمدها القيادتان».


وأفاد بيانهما المشترك الذي صدر بعد اللقاء بأنه كان هناك «نقاش موسع شمل القضايا المشتركة، خصوصاً حول ما حصل خلال الأيام الماضية نتيجة وجهات النظر في موضوع الكهرباء، التي تناولها الكثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي، سواء عن حسن نية أو عن سوء نية، وأُرفقت بتحليلات إعلامية، في محاولة مكشوفة لإثارة الاختلافات بين الطرفين».


وأكد المجتمعون أن «ما جرى لا يعكس حقيقة القرار الحاسم، والأكيد لدى قيادتي الطرفين، عن العلاقة المتينة التي ترسخت بينهما خلال كل الاستحقاقات، وموقفهما المشترك في مقاربة واحدة للملفات الوطنية والسياسية والإنمائية وغيرها».


وتباينت نظرة الفريقين إلى طبيعة السجالات التي حصلت، إذ اعتبر عضو كتلة «التحرير والتنمية» النائب أيوب حميّد أن «الخلاف جرى تضخيمه، وأعطي أكثر من حجمه، لأن التحليلات والاستنتاجات التي نسجت حوله لم توصّف الواقع الحقيقي»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التحالف الاستراتيجي بين (أمل) و(حزب الله) قوي وثابت، وما حصل مجرّد غيمة صيف، لكن للأسف ثمة من ضخّم الأمور، ورسم سيناريوهات وكأن الشارع مشتعل، والحرب قد تقع في أي لحظة».


ورأى حميّد أن «الاشتباك الكلامي الذي حصل بين الجمهورين عبر وسائل التواصل الاجتماعي يعبّر في حقيقته عن وجع الناس المحرومة من الخدمات، بدءاً من الماء إلى الكهرباء والطرقات، تضاف إليها الضائقة المالية، وتعثّر تشكيل الحكومة، لكنّها لا تعبّر عن صراع سياسي أو خلاف استراتيجي».


وتأتي هذه الحملة المتبادلة استكمالاً للحملة السابقة التي انطلقت إثر تغريدة للنائب جميل السيّد، ميّز فيها بين شيعة الجنوب الحائزين على كل حقوقهم ومكتسباتهم من الدولة، مقابل شيعة البقاع المحرومين من هذه الحقوق. ورأى حميّد أن «البطولات الوهمية التي افتعلها البعض (في إشارة إلى جميل السيّد)، وفرّق فيها بين أبناء الجنوب وأبناء البقاع، ارتدت على أصحابها لأن الناس أوعى من كل هذه الترهات»، مشيراً إلى أن «قصّة باخرة الكهرباء لا تستأهل هذا الضجيج، وجرى استيعابها بسرعة وبوعي كبيرين».


أما «حزب الله»، فيرى أن «ما حصل أبعد من تراشق كلامي لمناصري الفريقين». وأكد مصدر مقرّب من الحزب لـ«الشرق الأوسط» أن «الحملات المبرمجة على وسائل التواصل الاجتماعي توحي بوجود أيدٍ خفية تنشط من أجل بث الفتنة؛ بدأت بكلام عن شيعة الجنوب وشيعة البقاع، ثم وصلت إلى باخرة الكهرباء لافتعال شرخ بين (أمل) و(حزب الله)».


وقال المصدر: «لدينا يقين بأن هناك من يعمل على ضخ الفتنة عبر ماكينات داخلية، تديرها أجهزة خارجية، وتعمل على تغذيتها»، مشيراً إلى أن «مسؤولاً إسرائيلياً أعلن قبل أيام أن أفضل وسيلة لضرب علاقة (حزب الله) وحركة أمل هو اللعب على وتر شيعة الجنوب وشيعة البقاع».


وعن أسباب تطابق موقف «حزب الله» مع التيار الوطني الحرّ، على حساب علاقاته بـ«أمل» في كثير من الملفات، بينها الكهرباء، أوضح المصدر المقرّب من الحزب أن «تحالف (حزب الله) و(أمل) يتقدّم على أي تحالف آخر، لكن التمايز بينهما في بعض الملفات لا يعكر صفو تحالفهما الاستراتيجي بأي حال».


غير أنه ثمّة في البيئة الشيعية من يقدّم مقاربة مختلفة، تحمّل الطرفين مسؤولية ما آلت إليه أوضاع أبناء هذه الطائفة، فقد أشار النائب والوزير السابق محمد عبد الحميد بيضون، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «الطرفين هما من تسلّم المسؤوليات السياسية، والمراكز الرسمية المخصصة للطائفة الشيعية في الدولة، منذ 25 عاماً. واليوم، بدأت الناس تسألهم وتحاسبهم».


ورأى بيضون، وهو سياسي شيعي معارض لهذا الثنائي، أن «حرمان الناس من أبسط الخدمات ولّد ما يشبه الانتفاضة الشعبية ضدّ الطرفين، تترجم باتهام جمهور كل فريق للحزب الآخر، لكن بلا شكّ النقمة أكبر الآن بوجه (حزب الله) لأنه الطرف الأقوى، في حين أن الحزب يحمّل (أمل) المسؤولية، بزعم أنه سلّمها أمر إدارة الدولة نيابة عن الطائفة الشيعية».
ووصف بيضون ما يحصل بـ«حرب خفيّة تعبّر بوضوح عن فشل الطرفين في تحمّل المسؤولية، وانعكاس هذا الفشل على حياة اللبنانيين جميعاً».