يؤكد مدير «مركز الدراسات العربية والإيرانية» في لندن علي نوري زاده لـ«الجمهورية» أنه «على رغم نَفي المسؤولين الأميركيين أن يكون الهدف من العقوبات هو الإطاحة بالنظام الإيراني، إلّا أن اجراءات الرئيس دونالد ترامب تدل الى وجود مخطط مدروس ودقيق للقضاء على الجمهورية الاسلامية وقلب النظام السائد فيها من دون أن تدخل الولايات المتحدة عسكرياً». ويعتبر أن «ترامب رفع السيف فوق رؤوس المسؤولين الايرانيين منذ دخوله البيت الابيض، ولم يكن ذلك لترويع النظام وإخافة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي وغيره، بل لقطع رقابهم».
التظاهرات تُهيّئ الأرضية
وما ان هوّل ترامب بالعقوبات حتى بدأت أسعار العملة الايرانية تنخفض، واسعار السلع ترتفع. وبعد أقل من شهرين على الانسحاب الاميركي من الاتفاق النووي انطلقت تظاهرات وإضرابات في بعض أنحاء البلاد احتجاجاً على تردّي الأوضاع الاقتصادية، وتزايد البطالة، وارتفاع الأسعار، والنقص في المياه، وسط أزمة حادة في سوق النقد الأجنبي وتصاعد الغضب على النظام.
ويرى نوري زاده أنّ «المسؤولين الأميركيين يعتقدون أن الأرضية موجودة بفعل الاحتجاجات ومنها تلك التي حصلت في كانون الأول الماضي وما قبله، والانتفاضة الخضراء... ما يشير إلى أنّ المقومات كلها متوافرة لانطلاق ثورة شعبية في ايران».
ويشدد نوري زاده على أنّ «الوضع الاقتصادي في ايران سيئ جداً ويؤجج احتجاجات يومية سيؤدي توسعها وتصدي القوى الأمنية لها إلى تزايد قلق الحكومة الإيرانية». ويلفت إلى أن «الشعب هو الذي يدفع ثمن العقوبات بالدرجة الأولى، فمنذ صباح أمس الأول ارتفعت أسعار السلع الضرورية ومنها الغذائية والادوية ما بين 10 و20 في المئة في أسواق ايران، كما أن الريال الايراني سيشهد مزيداً من الانهيار».
تشديد العقوبات والمطالب
الحزمة الأولى من العقوبات التي فُرضت أمس، تستهدف قدرة إيران على شراء الدولارات، وصناعات رئيسة تشمل السيارات والسجاد والمواد الغذائية المصنّعة وبرامج الكمبيوتر، بالاضافة إلى التجارة الإيرانية في الذهب والمعادن، ولاسيما منها النفيسة، والفحم...
لكن يتوقع أن تكون المرحلة الثانية التي سيبدأ تنفيذها في 5 تشرين الثاني المقبل، الأشد تأثيراً، إذ تضغط الولايات المتحدة على سائر دول العالم للتوقف عن شراء النفط الإيراني، على رغم تأكيد دول عدّة بينها الصين والهند وتركيا أنها غير مستعدة لتلبية هذا الطلب الأميركي كلياً.
ويعتبر نوري زاده أن «العقوبات الحالية خفيفة، وهي لا تشكل مصدر قلق للنظام الايراني إزاء ما هو متوقع في تشرين الثاني المقبل».
ويعرف ترامب في قرارة نفسه أن عقوباته تزرع الفوضى في ايران والقلق في نفوس حكامها، ولذا يمكنه أن يلعب بأوراقه الرابحة ليرفع سقف توقعاته من النظام، ويدفعه إلى الخضوع. وهو لم يتردد في إعلان أنه يريد اتفاقاً جديداً مع إيران يتجاوز تقييد برنامجها النووي ليضع حداً لما تعتبره واشنطن «تأثير طهران المؤذي» في المنطقة، بما في ذلك دعمها الرئيس السوري بشار الأسد، والحوثيين في اليمن، وتهديداتها بإغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي الذي يعد من أهم الممرات البحرية للنفط... وتطوير برامجها الصاروخية...
ويشير نوري زاده إلى أن «مهاجمة الرئيس حسن روحاني وإقالته وتغيير وزرائه لا يشكل مخرجاً للأزمة القائمة، لأنها أزمة نظام وهي أكبر من روحاني أو اي شخص آخر». ويضيف أن «تعامل واشنطن مع المعارضة الإيرانية يختلف تماماً، عما كان في عهد الرئيس باراك أوباما».
وبناءً عليه يعتقد مدير مركز الدراسات العربية والإيرانية في لندن أن «الولايات المتحدة الأميركية في صدد تغيير النظام وتوجيه ضربات إلى حلفائه في المنطقة بدءاً بـ«حزب الله» و«حماس» والتنظيمات الشيعية في العراق...». ويشدد على أن «ضعف الوضع المالي الإيراني يتسبّب بنوع من التفكك في هذه التنظيمات، يوماً بعد يوم، وهذا ما يريده ترامب».
الحوار
وبينما يردّد ترامب أنه مستعد لحوار مع القيادة الإيرانية «في أي وقت»، و«بلا شروط مسبقة»، جاء رد طهران «أن ايران ليست كوريا الشمالية»، أي أنها لن ترضخ للحوار على وقع الضغوطات الأميركية.
ويشير نوري زاده إلى ارتفاع أصوات نافذة في ايران تدعو إلى الحوار بينما كانت تهتف «الموت لأميركا» منذ سنوات. وإذ يؤكد أن «المرشد لم يقرر بعد ما اذا كان سيوافق على الحوار أم لا»، يقول إن «أولئك الذين يهتمون بإنقاذ ايران من الورطة هم مَن يدعون إلى الحوار، بسبب قلقهم على مصير النظام، ولكن من يعتبرون أن أي حرب مع الولايات المتحدة ستضمن بقاء النظام حتّى ظهور «إمام الزمان» ومن بينهم بعض قادة الحرس الثوري هم مشتاقون الى الحرب وهدفهم البقاء في السلطة، ولا يأخذون في الاعتبار ان الحرب ستعيد ايران إلى ما قبل القرن العشرين».
إيران والحرب
حقّقت ايران تقدّماً في تكنولوجيا الصواريخ مطوّرةً أجهزة توجيهها بدقة لتحمل رؤوساً متفجّرة متعدّدة ونووية، ما يثير قلق بلدان عدّة في المنطقة وحول العالم.
ويشير نوري زاده إلى أن «ليس لدى ايران قوّة جوية كبيرة خصوصاً أن طائراتها قديمة أو روسية ولا تمثل الكثير مقابل طائرات الإمارات والسعودية، كما أن معظم جيرانها «غير أصدقاء» لها».
ولكن، يشدد على أن «أي حوار سيكون افضل من الحرب»، وقد يدفع الطرفين الأميركي والإيراني إلى تقديم تنازلات متبادلة، معتبراً «أن في ظل وجود حوار جدّي قد تقبل الولايات المتحدة بإمكانات ايران الصاروخية وربّما توافق على بيعها طائرات». ويضيف: «لكن التهديد والتهديد المقابل سيجرنا إلى الحرب وهي ليست من مصلحة ايران ولا المنطقة ولا أميركا والعالم، كما أن الصواريخ البالستية ليست اهم من حياة الإيرانيين». ويقول: «كثيرون من الايرانيين داخل السلطة يتفقون معي على ان الحوار هو افضل طريق لإبعاد هذا الشر».
وفيما يسعى أعداء ايران وفي مقدمهم الولايات المتحدة واسرائيل إلى عزلها وقرع طبول الفوضى والإفلاس والحرب على مسامعها، تتجه الأنظار إلى الدول الأوروبية التي رفضت الخروج من الاتفاق النووي تاركةً خطوة واشنطن وعقوباتها على ايران أحادية الجانب، وكذلك الى روسيا التي تشكل منذ فترة لاعباً أساسياً في المنطقة يستطيع الضغط على الجهات الفاعلة من جهة، ومسايرتها من جهة أخرى، لإطفاء بعض الحرائق.