لكنّ هذه الحسابات الدقيقة التي تتحكّم بسلوك قيادتي الحزب والحركة لا تلزم بالضرورة كل القواعد والأنصار، لا سيما في ظلّ سطوة وسائل التواصل الاجتماعي التي حاولت أن تفرض إيقاعها على ملف الباخرة والقوى المعنيّة به، بحيث إنها سبقت في المرحلة الاولى المستوى القيادي للتنظيمين، قبل أن يعود وينتزع المبادرة مجدّداً من خلال الاجتماع الذي عُقد بين مسؤولي الجانبين وصدر عنه بيان وضع المسألة في إطارها الطبيعي.
وما يمكن تأكيده أنّ «أمل» و«الحزب» مصمّمان على مواصلة الإبحار على متن باخرة سياسية واحدة في رحلة مشترَكة، وأنه ليس وارداً لديهما للحظة العودة مرة أخرى الى «عتمة» الانقسام والصراع بينهما، ليس فقط من اجل ساعتين إضافيتين من التغذية الكهربائية، بل حتى مقابل 24 على 24.
وفي الوقت ذاته، يشعر الطرفان بأنّ هموم الناس وقضاياهم الملحّة لم تعد تتحمّل المقاربات الكلاسيكية وأنّ الصرخات التي تعلو من منصات «التواصل الاجتماعي» وغيره هي في معظمها مُحقة، وتنبع من وجعٍ مزمن، نتيجة تراكم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي تتحمّل مسؤوليتها الدولةُ مجتمعة، من دون أن ينفي ذلك وجود «مغرضين» و»محرّضين» يدخلون على الخط كلما سنحت الفرصة، سعياً الى إحداث فتنة او شرخ في البيئة الحاضنة للتنظيمَين.
وأمام تصاعد النبرة المطلبية، فإنّ الحزب والحركة باتا مُطالبَين من جمهورهما بتفعيل وسائل الضغط، وربما المواجهة، من داخل مؤسسات الدولة أو خارجها، لتحصيل الحقوق ومعالجة القضايا الملحّة، وبالتالي أصبح منتظَراً من الوزراء الستة الذين سيمثلون «الثنائي الشيعي» في الحكومة المقبلة أن يكونوا «قوّة ضاربة» على مستوى الملفات الانمائية والمعيشية، من أجل صنع الفارق المفترَض.
صحيح أنّ الحلول ليست بمتناول الجانبين حصراً، وإنما هي تحتاج الى منظومة متكاملة تشترك فيها مؤسسات وإدارات رسمية عدة لكنّ الصحيح أيضاً أنّ الحزب والحركة شريكان اساسيان في صنع القرار، والكثر ينظرون اليهما في اعتبارهما قادرَين على التاثير في كل شاردة وواردة في الدولة، بمعزلٍ عمّا إذا كان ذلك حقيقياً أم لا.
وقد عكس الرئيس نبيه بري قلقه من خطورة الوضع الاقتصادي امام زواره اخيراً، محذِّراً بلهجة مرتفعة من المؤشرات السلبية المتزايدة على هذا الصعيد وموحياً بأنه يعرف أكثر ممّا يبوح به، إلّا أنه يتجنّب الإفصاح عن كل ما بحوزته حتى لا يتسبّب بأيّ ذعر أو بلبلة. وانطلاقاً من حساسية الأرقام والمؤشرات، المعروف منها والمستتر، يستعجل بري تشكيلَ الحكومة حتى تتصدّى للتحدّيات الداهمة، كما أنه بادر على خط آخر الى تحريك قانون انشاء مجلسي إنماء لبعلبك وعكار، مع الاشارة الى أنّ الهمّ الاجتماعي سيأخذ على الارجح حيّزاً واسعاً من خطابه المرتقب في المهرجان الذي ستقيمه «امل» في بعلبك، إحياءً لذكرى إخفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه.
اما «حزب الله»، فقد اتّخذ على ما يبدو قراراً بتفعيل التواصل مع القاعدة الشعبية للاستماع الى مطالبها واحتياجاتها من قرب، حتى لا يكون التفاعل بينه وبين الناس مجرّدَ فورة عابرة في موسم الانتخابات النيابية. وعُلم في هذا السياق انّ نواب كتلة الوفاء للمقاومة عن الجنوب يعقدون لقاءات موسّعة، شبه اسبوعية، مع اهالي البلدات والقرى الجنوبية، بحضور امين سرّ يدوّن محاضر المداولات، على أن تتمّ متابعة ما يتفق عليه مع الجهات الرسمية المختصة.
وتشير اوساط مقرّبة من «الحزب» الى أنه يتفهّم ردود فعل الناس على ازمة الكهرباء وغيرها، لأنّ التراجع الخدماتي بات لا يُطاق والقدرة على التحمّل والصبر تتقلص تحت وطأة الضغوط المتراكمة.
وتلفت الاوساط الى انّ الاعتقاد الخاطئ لدى البعض بأنّ الباخرة التركية كانت ستمدّ الجنوب بالكهرباء 24/24 هو الذي ادّى الى ارتفاع منسوب التشنج والانفعال على مواقع التواصل الاجتماعي، بينما الحقيقة هي انّ نسبة التغذية كانت ستزيد بمعدل ساعتين أو ثلاث يومياً.
وتؤكد الاوساط انّ التباين في وجهات النظر بين «أمل» و«حزب الله» حيال هذه المسالة ليس سوى تمايز موضعي، لا يجوز منحُه حجماً اكبر ممّا يستحق، مشدّدة على انّ تحالفهما أمتن من أن يتاثر بقصة باخرة.
وتوضح الاوساط انّ «حزب الله» المصمّم على المشاركة النوعية في معركة مكافحة الفساد، سيضع في الوقت ذاته قواعد ناظمة لدوره، ومنها على سبيل المثال أنه لن يلجأ الى التشهير بأيٍّ من حلفائه، وإذا تبيّن وجود قضية فساد تتعلق بجهة حليفة فإنّ «الحزب» سيبادر الى محاورتها وإطلاعها على الوقائع المتوافرة لمعالجة القضية المشكو منها، بعيداً من الإساءات، من دون أن يعني ذلك تغطية الفساد أو الفاسد.