كشفت مصادر دبلوماسية واسعة الاطلاع لـ«الأخبار» أن مستشار الأمن القومي الأميركي في البيت الأبيض جون بولتون، يجري مشاورات مع عدد من الدبلوماسيين والأمنيين الأميركيين، بالتنسيق مع بعض الدوائر اللصيقة به في نيويورك، لجعل مناسبة التجديد لقوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل) في نهاية هذا الشهر، «مناسبة غير روتينية»، كما هي العادة منذ وصول طلائع هذه القوات إلى لبنان في عام 1978، غداة الاجتياح الإسرائيلي الأول للجنوب.
صحيح أن المهمات المناطة بالقبعات الزرق جرى تعديلها و«تعزيزها» في عام 2006، من ضمن مندرجات القرار 1701، غير أن مسودتي المشروع الأميركي أولاً والمشروع الأميركي ــــ الفرنسي ثانياً، كانتا تنصان على جعل انتداب «اليونيفيل» تحت الفصل السابع، فضلاً عن توسيع المهمات والصلاحيات ونطاق العمل (كل الحدود البرية والبحرية والجوية)، وحق مصادرة السلاح والاعتقال إلخ...
أما القاسم المشترك بين هذين المشروعين، فهو حضور الإسرائيليين في صلب صياغتهما، من خلال وجود المندوب الأميركي في الأمم المتحدة حينذاك، جون بولتون، فضلاً عن آخرين، أبرزهم إليوت أبرامز وديفيد ولش، بالإضافة إلى وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس.
بعد 12 عاماً على عدوان تموز، يُطل بولتون مجدداً، لكن هذه المرة من قلب البيت الأبيض. وفي المعلومات، أن بولتون حاول جسّ نبض قوى دولية أخرى، أبرزها فرنسا بوصفها أحد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، من جهة، ولكونها وحدها من بين الدول الخمس تشارك بقواتها ضمن «اليونيفيل» في الجنوب اللبناني، من جهة أخرى.
غير أن الفرنسيين ــ على جاري عادتهم ــ تعاملوا مع موضوع التجديد للقوات الدولية، ليس بوصفه ملفاً يخصّ أمن إسرائيل، مع حرصهم على ذلك بلا أدنى شك، بل بوصفه ملفاً يخصّ الأمن القومي الفرنسي، بالنظر إلى وجود ضباط وجنود فرنسيين في جنوب لبنان (نحو 1200 عسكري)، فكان أن ردّوا على مراسلات الأميركيين برفض أية محاولة لتعديل مهمات اليونيفيل، من زاوية حرصهم على أمن جنودهم في الجنوب.
لم تكتفِ باريس بذلك، بل سارعت إلى وضع الحكومة اللبنانية في أجواء المداولات الجارية حالياً بين واشنطن ونيويورك، وبالتنسيق المباشر مع تل أبيب. في المعلومات، أن الفرنسيين تحدثوا عن تلقيهم ما سمَّوها «إشارات مقلقة» من الجانب الأميركي. هذه «الإشارات» تتمثل بمحاولة إدخال تعديلات جوهرية على قرار التمديد للقوات الدولية في الحادي والثلاثين من آب المقبل في مجلس الأمن الدولي، على أن تشمل مهمات قوات «اليونيفيل» ونطاق عملياتها (الحديث مجدداً عن الحدود الشرقية بين لبنان وسوريا)، ومنح هذه القوات «إمكانية التدخل والردع والمحاسبة»، وذلك تحت طائلة اتخاذ تدابير في حال رفض هذه التعديلات، بينها خفض المساهمة الأميركية في تمويل قوات حفظ السلام في جميع أنحاء العالم (جرى خفضها أصلاً في السنوات الأخيرة)، وبينها قوات «اليونيفيل» في الجنوب اللبناني.
يذكر أنه في العام الماضي ارتفعت التهديدات الأميركية بخفض موازنة «اليونيفيل» إن لم تتغيّر مهمات وحداتها، وحُمِّل الجنرال الإيرلندي السابق مايكل بيري مسؤولية تنفيذ مهمات التفتيش. وضُمِّن بند إضافي في المهمة الجديدة، واستُخدِمَت كلمة «inspection»، أي أعمال التفتيش أو التحقّق «من المواقع المشبوهة». وكان القلق الأوروبي يومها من انعكاس الخفض المالي على مهمات حفظ السلام، فبُحِثَت آلية خفض عديد القوات البحرية وسحب سفينة من العمل ضمن الحدود الإقليمية. أما هذه المرّة، فالخوف من الخفض قد ينعكس على القوات البرية.
وفي اعتقاد الأميركيين أن اللحظة السياسية، المحلية والإقليمية والدولية، مواتية للتعديل، خصوصاً في ضوء بدء العدّ العكسي لنهاية الحرب في سوريا، بكل ما يترتب على ذلك من معطيات لها علاقة بدور حزب الله في المرحلة المقبلة وانتشاره خارج لبنان، وتحديداً في سوريا. يزيد الطين بلة أن تأخير اللبنانيين في تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات النيابية الأخيرة، يشكل عامل إضعاف لموقفهم دولياً، وفي المقابل، يريد الأميركيون التسلل من هذه الثغرة من أجل تعديل مهمات «اليونيفيل».
بولتون المعروف بعدائه لإيران وكل فصائل المقاومة في لبنان وفلسطين، «مستعد لتحطيم كل شيء»، على حدِّ تعبير الفرنسيين، وهو يتحرك حتى الآن في مسرح دبلوماسي تنتفي فيه أية حركة دبلوماسية لبنانية وقائية، لذلك، ألحّ الفرنسيون على الجانب اللبناني التسريع بولادة الحكومة الجديدة، سواء من زاوية حرصهم على قواتهم العاملة ضمن «اليونيفيل»، أو من زاوية الحرص المبالغ فيه أيضاً على نتائج «باريس - 4»، وذلك في مواجهة حفلة الجنون الأميركي المتجددة. وحذّر الفرنسيون الجانب اللبناني من أن أي تلكؤ في تحمّل المسؤولية قد يفضي إلى إدخال تعديلات على مهمات «اليونيفيل».