دخلت دفعة أولى من العقوبات التي قررت واشنطن إعادة فرضها على إيران حيّز التنفيذ، أمس، بهدف ممارسة ضغط اقتصادي عليها لإرغامها على الخضوع لشروط الرئيس الاميركي دونالد ترامب بالتفاوض على اتفاق نووي جديد. وقد شملت هذه العقوبات تجميد التعاملات المالية وواردات المواد الأولية، كما تستهدف قطاعي السيارات والطيران التجاري.


واذ أثارت هذه العقوبات مزيجاً من مشاعر الغضب والقلق والتحدي في إيران، قال ترامب في تغريدة «تويترية» إنّ «العقوبات الإيرانية فُرضت رسمياً. هذه العقوبات هي الأكثر إيلاماً التي يتم فرضها على الإطلاق، وفي تشرين الثاني سيتم تشديدها إلى مستوى جديد». وأضاف: «انّ أي جهة تتعامل تجارياً مع إيران لن يكون في إمكانها التعامل تجارياً مع الولايات المتحدة. لا أسعى إلى شيء أقل من السلم العالمي».


وتعليقاً على هذه العقوبات، قال رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني: «انّ سياسات ترامب وقراراته تضر بأمن المنطقة واستقرارها»، وأكد «أن الرئيس الأميركي يتّبع نهجاً عدائياً تجاه ايران ولن يمر ذلك من دون رد».


وبدورها، دانت وزارة الخارجية الروسية في بيان أمس العقوبات الاميركية ضد ايران، وقالت: «انّ التجارب أثبتت انه لا يمكن الحصول على تنازل من ايران من خلال ممارسة الضغط عليها».

الاستحقاق الحكومي

على انّ التطورات الاقليمية لم تحجب الاهتمام بالاستحقاق الحكومي، في الوقت الذي وجدت السلطة ضالّتها بأصحاب المولدات حيث تداعى الوزراء المختصّون الى فرض عدّادات عليهم، ليثبتوا بذلك أنّ أزمة الكهرباء مستمرة طويلاً، وانّ مشاريع معالجتها هي أشبه بنسيج في الهواء.


وظل ملف التأليف الحكومي يرواح في التعقيد ولم يظهر بعد ما يؤشر الى حل قريب، بدليل انعدام حماسة المعنيين لاستيلاد الحكومة العتيدة.


واستغرب الرئيس المكلّف سعد الحريري تحميله مسؤولية التأخير في التأليف، ودعا جميع الأفرقاء الى «التواضع وتقديم بعض التضحيات لمصلحة لبنان واللبنانيين».


وعن عدم لقائه الوزير جبران باسيل حتى الآن، قال الحريري: «قد أتصل به وأدعوه لزيارتي، لكنّي لم ألمس جديداً حتى الآن، فأنا أعرف موقف رئيس الجمهورية و«التيار الوطني الحر»، واعتبر أنّ على الجميع أن يلتفتوا إلى الوضع الاقتصادي. أمّا إذا كان المطلوب من رئيس الحكومة أن يقدّم هو كل التنازلات فنحن ضَحّينا كثيراً».


ولدى سؤاله إذا كانت المشكلة أنّ رئيس الجمهورية أحاله إلى باسيل للاتفاق على الحصص؟ قال الحريري: «لا أحد يحيلني إلى أحد. أنا رئيس حكومة، أشكّل حكومة وأتحدث مع جميع الأفرقاء، وكل فريق لديه مطالب مسجلة لديّ جميعها، أنا أعمل على تشكيل حكومة وفاق وطني».


وحول ما إذا كانت الأزمة الفعلية هي أنّ باسيل «هو في رأس السباق إلى رئاسة الجمهورية»، قال الحريري: «بالنسبة إليّ هناك رئيس جمهورية هو العماد ميشال عون، ولا أحد يَستبق الأمور».


وعن مدى تأثير العقوبات الاميركية على ايران تأخيراً للتأليف الحكومي، قال الحريري: «نحن على تواصل مع «حزب الله»، وهو يريد تأليف حكومة، والجميع يريد حكومة». ونفى أن يكون هناك أي تدخل خارجي لمنع تأليف الحكومة، مشيراً الى «انّ هناك دفعاً دولياً للإسراع في تأليف الحكومة والمباشرة بالبرنامج الإنقاذي لمؤتمر «سيدر».


وكان المكتب الاعلامي للحريري قد أوضح ملابسات زيارته الاخيرة الى فرنسا، فأكد انها «كانت محض عائلية ولم يتخللها أي اتصالات او لقاءات مع أي مسؤولين في الخارج». وجدد التأكيد انّ علاقته مع القيادة السعودية عموماً ومع ولي العهد خصوصاً «هي علاقة أخوية ممتازة ومباشرة لا تحتاج إلى وساطة من أحد». ولفت الى «انّ المملكة العربية السعودية لا تتدخل ولم تتدخل في الشأن اللبناني الداخلي المحض، وأقصى ما تعبّر عنه وتتمناه هو أن تتشكّل الحكومة في أسرع وقت ممكن للمساهمة في دعم لبنان ودولته واقتصاده، كما بَدا ذلك جلياً من موقفها خلال مؤتمر «سيدر».

الإشتراكيون

من جهتها، قالت مصادر الحزب التقدمي الاشتراكي لـ«الجمهورية»: «إنّ علاقة الحريري مع السعودية اكثر من ممتازة وهو لا يحتاج الى فرنسا لكي يتحدث الى السعوديين، والهدف من ترويج أخبار عن اتصالاته مع الرئيس ايمانويل ماكرون هو إضعاف مبادرته وحركته لتشكيل الحكومة». وشددت على «انّ السعودية لا تتدخل في عملية التأليف، شأنها شأن فرنسا، فهذا أمر غير وارد عندها، إلّا أنّ كل الدول تَحضّ على تسريع عملية التشكيل وولادة الحكومة من دون ان تتدخل في التفصيل اللبناني».


واشارت المصادر الاشتراكية الى «انّ الرئيس المكلف لا يتحمل مسؤولية التأخير، فهو قدّم أكثر من تشكيلة الى رئيس الجمهورية». ونَفت ما يُحكى عن تشكيل جبهة ضد الرئيس ميشال عون، وقالت: «أساساً العهد فاشل ولا يحتاج الى جبهة لتطويقه».

حمادة لـ«الجمهورية»

وقال الوزير مروان حمادة لـ«الجمهورية»: «انّ تشكيل الحكومة أضحى تفصيلاً مقارنة مع ما يواجهه البلد اليوم من عقد كثيرة وعناد كبير. فالقضية التي كان يمكن حلها منذ اسابيع باعتماد الاحجام الحقيقية وبالتالي الاعتراف لـ«اللقاء الديموقراطي» بتفوّقه الدرزي ولـ«القوات اللبنانية» بمشاركتها المسيحية الحقيقية ولتيار «المستقبل» بتمثيله الواضح للطائفة السنية، هذه القضية تحوّلت الآن مستويات اقليمية ودولية بفِعل محاولة العهد السيطرة على الحكومة والمجلس والقضاء والجيش والامن والادارة. امّا الاعظم من ذلك فهو ربط حلفاء سوريا القدامى والذين استَجدّوا موضوع تشكيل الحكومة بملفات «التطبيع» و«العودة» و«التنسيق»، وهي كلها مرفوضة قبل انتقال سوريا الى حل سلمي يقوم فيه حكم متوازن ومقبول يعترف بالنأي اللبناني عن النزاعات العربية والدولية».


وتعليقاً على إحداث مجلس الوزراء السوري «هيئة تنسيق» لعودة المهجرين في الخارج، قال حمادة: «لا شيء إسمه مجلس وزراء في سوريا، هناك مبادرة روسية فقط ونقطة على السطر. أمّا النظام فلا يزال غريباً عن العودة وعن قبوله ملايين مواطنين يُدرك سلفاً أنهم لن ينخرطوا في جيشه، ولن يصوّتوا له في الانتخابات الرئاسية والنيابية المقبلة».


وهل من ضمانات للنازحين؟ تساءل حمادة: «عن أيّ ضمانات تتحدثون؟ أنظروا ماذا حدث في السويداء».

«لبنان القوي»

وإذ اكدت مصادر تكتل «لبنان القوي» لـ«الجمهورية» ان «لا شيء جديداً على خط التأليف، وانّ الوضع على حاله والعقد على حالها. قال رئيس «التكتل» الوزير جبران باسيل: «إننا في انتظار ولادة حكومة قائمة على عدالة التمثيل، وعلى إرادة الناس الذين عبّروا عنها في الانتخابات النيابية». وشدد على انه «لا يجوز ابتزاز العهد بوجوب تأليف حكومة لتولد الحكومة معطّلة»، وقال: «نحن تنازلنا سلفاً عن امور كثيرة، وإذا تطلّب الامر عملية سياسية ديبلوماسية شعبية لفك أسر لبنان من الاعتقال السياسي الذي نحن فيه، فلن نتأخر».

«القوات»

ومن جهتها قالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية»: «انّ الحكومة عالقة في عنق الزجاجة، ولا مؤشرات توحي بإمكانية الخروج من مربّع التأزم الحاصل بسبب تمسّك أحد الأطراف بوجهة نظره ودعوته القوى الأخرى إلى التسليم بشروطه، الأمر الذي لن يتحقق لا اليوم ولا في المستقبل». ورأت «انّ المعايير التي يعتمدها هذا الطرف هي معايير خاصة لا عامة، فئوية لا وطنية، تعكس وجهة نظره لا وجهة نظر البلد، ولا علاقة لها بالانتخابات وما أفرزته من نتائج، وكل الهدف منها الخروج بغلبة حكومية على قاعدة الغالب والمغلوب».


وثَمّنت المصادر نفسها جهود الحريري ونوّهت بمواقفه الأخيرة، وتحديداً لجهة قوله «إذا كان المطلوب من رئيس الحكومة أن يقدّم هو كل التنازلات فنحن ضحّينا كثيراً»، وقالت: «هذا القول ينطبق بحرفيته أيضاً على «القوات» التي قدّمت كل التنازلات ولم يعد في إمكانها تقديم المزيد، وهي تجاوبت مع دعوات الحريري إلى التهدئة وعدم رفع السقوف ولا تحديد أحجام وأوزان في الإعلام تسهيلاً لمهمة الرئيس المكلف. ولكن، ويا للأسف، هناك من يصرّ في استمرار على رفع السقوف وتحديد أحجام غيره وتجاوز مهمة الرئيس المكلف وصلاحياته، كما دور رئيس الجمهورية».


واعتبرت المصادر نفسها «انّ هذه الذهنية لا تقود إلى تأليف الحكومة»، وشددت على انّ «كل العقد محلية بامتياز، ولا وجود لعقد خارجية»، ودعت إلى «الليونة والتلاقي ضمن مساحة مشتركة». وقالت «انّ التعقيد القائم يطرح أكثر من تساؤل عن خلفياته وأهدافه، خصوصاً انه بات يؤشّر إلى انّ هناك من يخطّط لأبعد من تأليف حكومة، وهذا بالذات ما يحول دون التأليف».


وأضافت: «انّ الخيار هو بين حكومة وحدة وطنية وحكومة وحدة وطنية، ولا خيار خلاف ذلك، وكل المساعي لفرض حكومة أمر واقع لن تنجح، كما انّ من يراهن على تعب فريق معيّن وتراجعه لأسباب وطنية يخطئ الرهان هذه المرة، لأنّ أي تراجع لم يعد ممكناً وسيكون على حساب البلد والناس».

عودة النازحين

وفي ملف عودة النازحين والمبادرة الروسية في شأنها، أكّدت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية» أنّ «المبادرة الروسية - الأميركية جديّة ولا تقبل التشكيك بها، فقد صدر القرار الدولي الكبير ويبقى الاتفاق على آلية التنفيذ».


وشددت على أنّ «لبنان بات على علم بأنّ هذه المبادرة لا تقبل التشكيك أو التلاعب بها، وعلى الدولة اللبنانية فِعل كل ما يتوجّب عليها من أجل عدم عرقلتها». وأوضحت أنّ «الروس والاميركيين غير معنيين بالجدال القائم بين قسم من اللبنانيين والنظام السوري».


ولفتت المصادر الى انّ «المسؤولين اللبنانيين يَعلمون الخطوط العريضة للمبادرة، لكنّ الروس والأميركيين لم يُعلموهم بكل التفاصيل، لأنه في الأساس لم توضع الخطوات التقنية اللازمة لهذه الخطة، وما زال الأميركيون والروس يتداولون بالأفكار».

الدفاع الروسية

في هذا الوقت، ذكرت وزارة الدفاع الروسية في بيان لها انه عُقد في سوريا الاجتماع المشترك الأول بين المركز الروسي لاستقبال وتوزيع وإيواء النازحين واللاجئين السوريين ومقر التنسيق المشترك بين الإدارات في سوريا، بشأن قضايا عودة اللاجئين. وقدّم رؤساء فرعي نقطتي العبور الحدودية «نصيب» و«دوالي»، ونقطة العبور الداخلية «الصالحية»، تقاريرهم حول الوضع الميداني، خلال جلسة تداول عبر دائرة الفيديو المغلقة.


وقال رئيس المركز الروسي اللواء ألكسي تسيغانكوف خلال الاجتماع: «بموجب قرار الحكومة السورية الرقم 46 في 6 آب 2018، أنشئت هيئة للتنسيق بين الإدارات لتنظيم التفاعل بين الوزارات المعنية. والهدف هو تهيئة ظروف مؤاتية لعودة اللاجئين، لضمان ظروف معيشية لائقة وفقاً لقدرات الدولة»، مشيراً إلى أنّ الجانب الروسي اقترح أساس هيكل الهيئة الجديدة وتكوينها. وذكر أنه تمّ تعيين وزير الإدارة المحلية حسين مخلوف، رئيساً للهيئة الجديدة، موضحاً أنّ هذا الاختيار يرجع إلى حقيقة خضوع كل السلطات التنفيذية في المحافظات من مرتبة محافظ وأدنى، للوزير مخلوف.


وأكد «أنّ أحد أهم العقبات أمام عودة المهجرين إلى الوطن هو قلة الوظائف. ولذلك، فإنّ المهمة الرئيسية أمام الحكومة السورية ومقر التنسيق المشترك بين الإدارات الروسية هي إعادة البنية التحتية المدنية، بما في ذلك المرافق ذات الأهمية الاجتماعية. وبفضل الجهود المنسّقة، تستمر عملية استعادة البنية التحتية على معدلات سريعة إلى حد ما».


وأوضح أنّ 10 نقاط عبور أنشئت حالياً على النحو الآتي: «معبر واحد على الحدود السورية الأردنية (نصيب)، و5 معابر على الحدود السورية اللبنانية بالتعاون مع مقر العمليات المشترك مع لبنان لعودة اللاجئين السوريين (الزمراني، جديدة يابوس، الدبوسية، تل كلخ والقصير)، وللنازحين داخلياً مِعبَران (أبو الضهور والصالحية)، فضلاً عن مِعبَرين: واحد جوي، وآخر بحري (في بانياس)».