أربع وسبعون يوماً على تكليف رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري تأليف حكومة العهد الأولى، كما يحلو للبعض تسميتها، ولا يزال التشكيل في المربع الأول. فلم تنجح كل الصيغ الحكومية بتجاوز ألغام الحصص التي يتمسك فيها كل فريق سياسي على طريقته.
وبينما تستمر مراوحة التأليف في الدائرة المفرغة نفسها وتدفع بالبلد نحو المجهول، يقول مرجع دستوري "في ظل اشتداد التأثير الطائفي والمذهبي على المواطنين يلجأ اللبنانيون باستمرار لتأليف حكومات توافقية، ضاربين بعرض الحائط مبادئ الديمقراطية التي توجب أن تحكم الأكثرية وتعارض الأقلية على غرار كل الدول المتقدمة لترسيخ مبدأ المراقبة والمحاسبة في مؤسسات الدولة". ويجزم أن الحل الوحيد لتخطي تعثر التشكيل، يكون بتشكيل حكومة أكثرية ومعارضة بغض النظر إن كانت تحظى بإجماع وطني أم لا.
وهي الحكومة التي فشل العهد حتى الساعة بالتسويق لها، بسبب رفض الرئيس المكلف تجاوز مطالب حزبي القوات اللبنانية والتقدمي الاشتراكي، وقوفاً عند خاطر السعودية التي تسعى جاهدة لتشكيل حكومة تواجه تمدد قوى 8 آذار في المجلس النيابي. وبالتالي إحياء 14 آذار وما تحمله من رمزية سيادية تضاءل شأنها ودورها في الفترة الأخيرة.
ومع فشل إبعاد القوات والاشتراكيين عن حكومة العهد، يبرز موقف ملفت لنائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي، وهو عضو في تكتل "لبنان القوي"، إذ كشف عن أنه سيبادر الى طرح فكرة انتقال "لبنان القوي" الى المعارضة في حال لم يؤخذ باقتراح حكومة الأكثرية كمخرج لمساعدة الرئيس المكلف على تشكيل حكومته وتخطي عقد التأليف. وكأنه يقول في طرحه هذا إن لا تقدّم على صعيد التشكيل الحكومي، وإننا أمام حائط مسدود، يحاول دولة الرئيس الفرزلي إحداث ثغرةٍ ما فيه.
وأكد الفرزلي في حديث لـ"ليبانون ديبايت"على جدية الطرح، ورأى أن ما يحصل اليوم في إطار تشكيل حكومة جامعة، هو عمل مضاد لمنطق النظام الديمقراطي البرلماني، كونه يعمل على تشكيل مجلس وزراء هو مجلس مصغر عن مجلس النواب، ما يعطّل الدور الرقابي ومحاربة الفساد.
كما يرفض البعض اعتماد معيار واحد لتشكيل هذه الحكومة، ويتم التشبه بما جرى في العام 2005 حين طولب بحكومة وحدة وطنية بعد الانتخابات، لأن النواب يومها لم يمثلوا المكون الشعبي، بسبب قانون الانتخاب المعتمد.
ويقول الفرزلي "بما أننا غير قادرين اليوم على تشكيل حكومة وفق معيار واحد، أو تشكيل حكومة أكثرية وفق نتائج الانتخابات، اقترحت أن نذهب لصفوف المعارضة لتسهيل التشكيل، لأن كل ما يحصل من قبل البعض والخارج هو فرض حكومة جامعة معطلة، وفرض مطالب رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع والمحافظة على رئيس حزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط".
وعن إمكانية تحقق هذا الطرح، يلفت الفرزلي إلى أنه سيدفع باتجاه هذا الطرح، ويرى أنه سيكتسب تصاعديا دوره لأنه يتلاءم مع الطبيعة التاريخية للوطني الحر. ولا يتعارض مع وجود الرئيس ميشال عون في سدة الرئاسة الأولى، لأن الوطني الحر تيار مستقل، والرئيس من واجباته أن يرعى المعارضة والموالاة.
ويرى أن هذا الطرح يتعارض مع مشهد واحد يحاول فرضه البعض عبر حكومة وحدة وطنية وهي حكومة تعطيل البلد وتعطيل التوازنات وإجهاض نتائج الانتخابات وبالتالي إجهاض العهد.
من جهته، يؤكد النائب في تكتل "لبنان القوي" أسعد درغام لـ"ليبانون ديبايت" أن هذا الطرح سيتم مناقشته في اجتماع التكتل بعد ظهر اليوم في حال قدمه دولة الرئيس الفرزلي، وسيكون لنواب التكتل رأي حوله وموقف موحد يخرجون به بعد الاجتماع.
ولفت درغام إلى أنهم "كتيار وطني حر وتكتل متمسكون بنتائج الانتخابات النيابية ومتمسكون بوحدة المعيار لتشكيل الحكومة، وهذا لا يلغي تقديم أي من الطروحات ومناقشتها، وإن كان الموقف حتى الآن حكومة وحدة وطنية تتمثل فيها كل الأطراف ضمن معيار موحد".
على الطرف الآخر، سخرت أوساط معنية بملف التشكيل الحكومة من هذا الطرح، ووضعته في إطار الضغط تجاه تسريع تشكيل الحكومة لا أكثر، واعتبرت في حديث لـ"ليبانون ديبايت" أن هذا الطرح مستحيل التحقق، كون التيار الوطني الحر لن يتنازل عن موقعه في السلطة، خصوصاً أن لديه موقع رئاسة الجمهورية.
ولم ترَ الأوساط في الطرح جدية كاملة "فمن غير المنطق أن يعارض التيار الوطني الحر نفسه"، وتمنت في الوقت عينه أن يحصل هذا الأمر "لنرى رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي يحمل سيف مكافحة الفساد، أيّ ملفات سيفتح في عهد الرئيس ميشال عون في حال كان في جبهة المعارضة".
وقالت الأوساط عندما طرح دولة الرئيس الفرزلي ذهاب القوات إلى صفوف المعارضة، كان يتقدم يومها بطرحٍ منطقي، لأن القوات أثبتت في الحكومة السابقة مكافحتها للفساد، وفتحت ملفات عدة مرتبطة بهذا الإطار. وتساءلت "أي ملفات فساد فتحها وزراء الوطني الحر في الحكومة الماضية ليكونوا في صف المعارضة؟".