يُفاخر التيار الوطني الحر بأنه تمكن من إضافة 715 ميغاواط على الشبكة بالرغم من أن قادته وعدوا سابقاً بأن الزيادة ستصل إلى 5000 ميغاواط. يأسف «التيار» اليوم لضياع 450 ميغاواط بسبب عدم إنشاء معمل دير عمار، ولا يحمّل نفسه أي مسؤولية عن ضياعه. يعتبر أن المفاوضات أدّت إلى تسامح المتعهد مع الدولة، قبل أن يتبيّن أن الطبخة التي أسهم الجميع في إنضاجها أفضت إلى تسليم القطاع الخاص مفاتيح المعمل، في محاصصة ثلاثية الأبعاد لا لبس فيها.
 

بأي عين يواجه وزير الطاقة سيزار أبي خليل اللبنانيين؟ كيف يفاخر بأن تكتله المسيطر على الوزارة منذ عام 2010، قد تمكن من زيادة التغذية بالتيار 715 ميغاواط؟ هل هذا حقاً إنجاز؟
للتذكير، فإن ورقة سياسة القطاع كانت تتحدث عن أكثر 5000 ميغاواط ستضاف إلى الشبكة خلال خمس سنوات. لكن الواقع كان مغايراً تماماً. انتظر اللبنانيون سبع سنوات ليشهدوا افتتاح معملي الجية والزوق الجديدين في أوائل عام 2017، بقدرة إجمالية تصل إلى 270 ميغاواط. عملياً هذا هو الرقم الأدق لزيادة الإنتاج منذ عام 2010 إلى عام 2018 وليس 715 ميغاواط. لكن وزير الطاقة، ولسبب ما، يعتبر أن ما تنتجه البواخر من كهرباء جزء من الإنجاز (380 ميغاواط)، بدلاً من اعتباره دليلاً على زيادة العجز والفشل في إنتاج الكهرباء.
في معرض تعداده للإنجازات، يقرّ وزير الطاقة بأن لبنان أضاع فرصة الحصول على 450 ميغاواط من الطاقة الإضافية بسبب عدم إنجاز معمل دير عمار، لكنه لا يحمّل فريقه أي مسؤولية عن ضياع هذه الفرصة.
وحتى لو أقفل ملف المعمل والعقد الذي لم ينفذ، فإن ذلك لا يلغي بقاء علامة الاستفهام الكبيرة المرتبطة بطريقة إدارة وزارة الطاقة لهذا الملف، والتي أدت عملياً إلى خسارة لبنان فرصة كبيرة، كما قال أبي خليل. فهذه الفرصة لم تضع بسبب الخلاف بشأن احتساب الضريبة على القيمة المضافة كما يشاع.

كيف ضاع المعمل؟
وبالعودة إلى أساس المشكلة، يتبيّن أنها كانت سابقة لأزمة الضريبة على القيمة المضافة، وبدأت مع عدم تسليم الموقع للمتعهد، بالرغم من إعطائه أمر مباشرة العمل في 19 تموز 2013 (بسبب إشغاله من قبل الجيش اللبناني، الذي لم يغادر قبل 11 نيسان 2014). في هذا الوقت، كانت الشركة تعمل على إعداد الدراسات والمسوحات اللازمة لبدء الأعمال، إلا أنها لم تتمكن من إحضار المولدات التي كانت قد أنجزتها في الدنمارك وعاينها الاستشاري وجرّبها هناك، بسبب عدم توافر الأرض التي ستخزّن فيها، علماً بأنها كانت في هذا الوقت تراسل الوزارة، موضحة أنها تتعرض لخسائر كبيرة لقاء تخزين المولدات في الدنمارك (مليون يورو في الشهر).


في كانون الثاني 2014، أرسلت الشركة للوزارة فاتورتين، الأولى بدل دراسات وتقييم فني. وبلغت قيمتها 30 مليون دولار، والثانية، بدل ثمن المولدات وقيمتها 133 مليون دولار. وقد تضمنت الفاتورتان الضريبة على القيمة المضافة.
حتى قرار ديوان المحاسبة الصادر في 6/4/2013، لم يكن مرتبطاً بمسألة الضريبة، بل كان هدفه تصديق قرار التلزيم، في إدارة الرقابة التي يمارسها الديوان. لكن في سياق القرار، أشار الديوان إلى أن «من الطبيعي عدم احتساب الضريبة على القيمة المضافة» من ضمن السعر، ريثما يتقرر مصدر التمويل نهائياً. وبما أنه تقرر بعد ذلك أن التمويل سيكون من الخزينة، فقد عنى ذلك أن الضريبة يجب أن تدفع. لم يعترض أحد حينها، بالرغم من أن الديوان لم يكترث في قراره لما نص عليه دفتر الشروط (تكون الضريبة على القيمة المضافة مبيّنة في العرض على حدة، وبشكل منفصل. وفي حال لم تذكر قيمة الضريبة على القيمة المضافة في تحليل الأسعار، يعتبر العارض قد احتسبها من ضمن السعر الإجمالي للعرض تلقائياً). لم يبيّن المتعهد الضريبة على حدة، لكن الديوان ذهب إلى الاعتماد على معلومات قدمها مستشارا الوزير، وتفيد بأن المشروع معفى من الـTVA، لأنه سوف يتم تمويله من مصادر خارجية، وبأن العارضين لم يذكروا الضريبة المذكورة ضمن أسعارهم لهذا السبب.
بعيداً عن الإشكالية القانونية في قرار الديوان، إلا أنه لم يخلق أي خلاف بشأنه. المشكلة اقتصرت على كون الاعتماد المرصود للصفقة لم يعد يكفي لتغطية الضريبة على القيمة المضافة التي أشار الديوان إلى وجوب دفعها. وعليه، كان لا بد من العودة إلى الديوان لأخذ موافقته على حجز إعتماد إضافي لتغطية الـTVA، لكن الوزير لم يفعل وبقيت الفواتير لديه من كانون الثاني حتى آب، حيث قرّر حينها العودة إلى الديوان لأخذ موافقته على حجز الاعتماد.
في تلك الأثناء، كان المتعهد يوجه الإنذار تلو الآخر إلى الوزارة، ربطاً بالتأخير بتسلم الموقع أولاً، ثم ربطاً بعدم قبض الفواتير المستحقة، وكذلك ربطاً بتكبّده الخسائر جراء استمرار تخزين المولدات في الدنمارك. كذلك فإن الخلافات انتقلت إلى داخل الوزارة نفسها، حيث أضاء المدير العام للاستثمار غسان بيضون على الكثير من الأخطاء، كما تبادل الاتهامات مع مرؤوسه مدير الوصاية في الوزارة محمود بارود (نشرت في الأخبار في 11 آذار 2016 بعنوان: «كهرباء ليكس: تبادل اتهامات في وزارة الطاقة والهدر 145 مليون دولار».
بالنتيجة، إنقضى عام كامل من دون أي تقدم أو من دون حل المشكلة، ومن دون إثارة مسألة الضريبة لأي إشكالية، فكل ما كان مطلوباً هو العودة إلى الديوان، ليس لدرس إمكانية دفع الضربية من عدمها (سبق أن قرر دفعها)، بل لزيادة الاعتماد. لماذا تأخر الوزير كل هذه المدة؟ هل سعى إلى تمرير الأمر من دون العودة إلى الديوان مجدداً لمعرفته بأن القرار الأول كان خاطئاً؟
عملياً هذا ما حصل. تقدمت الوزارة إلى الديوان لزيادة الاعتماد، فصدر القرار في 4/9/2014 ناقضاً القرار الأول، ومؤكداً أن «السعر متضمن كافة الأعباء، بما فيها الضريبة على القيمة المضافة».
تلك كانت الانعطافة الأساسية في الملف. هناك لم يعد بإمكان الوزارة دفع الضريبة على القيمة المضافة، بعدما سبق أن أبلغ المتعهد بأن الضريبة غير محسومة من المبلغ، خاصة أن قرار الديوان أرفق بقرار آخر يثبته (قرار صادر عن الهيئة العامة للديوان التي تضم كل قضاة الديوان في 5/11/2015).
ضاع المعمل وضاعت معه 450 ميغاواط كان يمكن أن تغني عن البواخر. وبعد سنوات، تحولت المسألة إلى تهديد بمقاضاة الدولة وتحصيل تعويضات كبيرة، فكان التفاوض هو الحل، حيث اقترحت الشركة في كتاب موجه إلى وزارة الطاقة في 15/12/2017 استئناف العمل بالمشروع باعتماد بقيمة 450 مليون يورو (أي بزيادة 90 مليون يورو عن قيمة العقد الحالي) لا تتضمن الضريبة على القيمة المضافة، بما يجعل إجمالي التعويض الذي تحصل عليه الشركة حوالى 150 مليون دولار.
ورثة الشركة اليونانية
في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء في 21 أيار الماضي، أقفل ملف التعويض نظرياً. وفجأة صار الحل بالانتقال من مرحلة بناء المعمل وتشغيله ليكون من ضمن أملاك القطاع العام، الى مرحلة تسليمه الى القطاع الخاص، بتوافق سياسي مريب أنهى سنوات من التعطيل والتأخير في حل المسألة. وقررت الحكومة حينها استبدال العقد من صيغة EPC (تنفيذ المعمل لمصلحة الدولة) إلى BOT (تنفيذ المعمل وبيع القطاع الخاص الطاقة للدولة لفترة محددة قبل أن تنتقل ملكيته إليها في نهاية هذه الفترة) على عشرين سنة بمبلغ 2.95 سنتاً للكيلوواط، مقابل تنازل الشركة عن الدعوى التحكيمية المقدمة بوجه الدولة أمام المركز الدولي لتسوية المنازعات المتعلقة بالاستثمارات» عند الوصول إلى اتفاق نهائي.
منذ أيار حتى الآن، لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي. لكن وزير الطاقة أعلن أن العمل على إنشاء المعمل سيبدأ في نهاية العام، من دون توضيح أي شيء آخر. كل شيء بقي غامضاً. وهو غموض ترافق مع مخالفة للقوانين التي ترعى الشراكة بين القطاعين العام والخاص، إذ لا شراكة من دون مناقصة شفافة، ولا شراكة من دون دفتر شروط واضح.


عملياً، كانت المفاوضات جارية في مكان آخر، حول كيفية إدارة القطاع الخاص للمعمل. وتشير المعلومات إلى أن الفريقين القانوني والفني في الوزارة من جهة والمتعهد من جهة أخرى يعملون لوضع عقد شراء الطاقة، بالتوازي مع حل مسألة التحكيم والأمور التقنية الأخرى (هل هذا يعني أن دفتر الشروط لن يكون نفسه؟). ومقابل كل هذا الغموض، يخرج الوزير ليعلن أنه لن يعود إلى مجلس الوزراء، لأن العقد هو تنفيذ لقراره!
وإذ يؤكد أبي خليل أن الأمور إيجابية، وأن الشركة قادرة على تنفيذ المعمل، علمت «الأخبار» أن مفاوضات جانبية أدت الى إنشاء شركة جديدة تضم الشركة اليونانية (صاحب العقد السابق) ومساهمين جدداً، على أن تجري إعادة توزيع نسب الملكية في أصول الشركة، لتكون على الشكل الآتي:
الشركة اليونانية (مع ممثلها اللبناني غسان غندور) تملك عشرين في المئة، وتحصل من المساهمين الجدد على مبلغ خمسين مليون دولار أميركي لقاء وقف الدعوى المقامة ضد الدولة اللبنانية، بينما يتملك رجل الأعمال اللبناني ريمون رحمة ما نسبته 29 في المئة، على أن تبقى نسبة 51 في المئة من حصة المموّل الأكبر، رجل الأعمال الأردني (يحمل الجنسية اللبنانية) علاء خواجة.
وقالت مصادر المساهمين الجدد إنهم، خلال 18 شهراً، سيسلمون الدولة جزءاً من المعمل، على أن ينجزوا المرحلة الثانية خلال 36 شهراً، علماً بأن العمل ينصبّ على أن تكون الطاقة الإجمالية المنتجة في المعمل نحو 760 ميغاواط (2.95 سنت للكيلوواط)، بحيث يصار إلى إنتاج 535 ميغاواط عبر المحركات العكسية (فيول أويل أو غاز)، مقابل إنتاج 225 ميغاواط من دون الحاجة إلى المحروقات (عنفات بخارية)، ما يخفض الكلفة الإجمالية للطاقة المنتجة بمعدل الثلث